لم يعد مستغرباً أن نسمع ونقرأ عن تنكر البعض لإرثه وموروث آبائه وأجداده، بحجة أننا لن نحقق التطور والتقدم إلا بالمضي نحو الأمام، وعدم الالتفات نحو الماضي، بمعنى رفض كل ما هو قديم، وهؤلاء بحق أشفق عليهم، وأشفق على المستوى الفكري الذي وصلوا إليه.
مهما كان مستواهم العلمي، لأنهم وهم يتحمسون لآرائهم ويضربون مثلاً بالغرب ومدى تطور بلدانهم، ويستحضرون النموذج الياباني تحديداً ومدى تقدمه، يجهلون، مع الأسف، أن كثيراً من هذه المجتمعات، ما زالت حتى اليوم تحافظ على إرثها ومورثوها، بل إنها سخرت التقنيات الحديثة لتساعدهم على حفظ تاريخ آبائهم وأجدادهم.
نظرة واحدة نحو العمق الياباني ستجد لديهم فلكلورات ضاربة العمق في الزمن الماضي، ما زالوا يحتفلون بها سنوياً، وأدخلوها في ألعاب أطفالهم، لربط هذا الماضي بالأجيال الجديدة، بل حتى عاداتهم في الطعام ونوع هذا الطعام هو من موروثهم، ولم يمنعهم الاهتمام بإرثهم من التقدم والاختراع والابتكار وإثراء البشرية.
وإذا رغبنا أن نستحضر مثالاً قوياً على هذه العناية بالقديم، في ذهنية وعقلية بناء الحضارة الحديثة، فسنجد معظم المعدات والآلات التي تستخدم في حفظ الوثائق القديمة هي من إنتاج هذه الحضارة، بل إن المواد التي تعالج بها ويتم بواسطتها ترميم الوثائق القديمة هي نتاج للتطور الكيميائي لهذه الحضارة، وهو ما يعني أنها سخرت التقنيات والمبتكرات لحماية التراث والقديم، لأنهم يعدونها كنزاً معرفياً وإنسانياً تجب المحافظة عليها.
أعتقد أن هؤلاء بحاجة ماسة لمثل هذه الثقة، ليفهموا أولاً أن الاهتمام بالتراث لا يعني التراجع وعدم التقدم، وثانياً ليفهموا أن ربط الماضي بالحاضر فيه فائدة كبيرة واستغلال أمثل للخبرات والمعارف وطريقة التفكير وتطويرها، لأن امتزاج الماضي بالحاضر، يعني التقدم بثقة نحو المستقبل، وهو ما يعني التميز والنجاح.