يبدو أن على المجتمع المدني إعطاء المزيد من الأهمية لممارسة التأثير على التقرير الأولي لـ"سيداو"، وهو التقرير المعد من قبل وزارة الخارجية، وهي النصيحة النصوح التي قدمها موظفوها للحركة النسائية الفلسطينية؛ قبل طيران التقرير إلى "جنيف".
المأمول من عملية التأثير المنشود، الخروج بتقرير يعكس واقع المرأة الفلسطينية الحقيقي على الأرض من جميع الزوايا، لجهة تصويب المعلومات، الحذف والإضافة، وصولاً إلى إغنائه بالتحليل المعمق للبيئة الاجتماعية التشريعية التي تسهم في تحديد معالم المرحلة القادمة لجهة الالتزامات والمستحقات، فيصبح مقدمة لصيرورة عملية التغيير الاجتماعي نوعياً، تغيير الأنماط والسلوكيات الكابحة لتقدم المرأة.
لا بد من تسجيل الثناء على الروح الإيجابية التي تحلَّت بها وزارة الخارجية وشركاؤها ممثلين بالهيئة المستقلة لحقوق المواطن ممثلاً بالتوجه نحو عقد المشاورات الوطنية حول التقرير، وكذلك دخول المؤسسات الدولية على الخطوط، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ولجنة المرأة في الأمم المتحدة، الأمر الذي ترك بصمة وانطباعاً حضاريين عن دولة فلسطين.
حتى لو كان القصد من المشاورات بدءاً من "سيداو" جسّ النبض لما سيكون عليه الوضع في المشاورات القادمة، والحصول على نموذج أو "بروفة" لطبيعة المشاورات اللاحقة حول باقي التقارير الخمسة عشر الموقعة.. وعليه ستقرر توسيع والدفع قدماً عملية المشاورات الوطنية اللاحقة، خاصة أن المشاورات حول "سيداو" تم تقليصها على قياس المؤسسات النسوية.. وعليه، أسجل الملاحظة النقدية الأولى، رغبة في تلافيها، المتعلقة باقتصار الجدال على المؤسسة النسوية، دون الشتات، واقتصاره على بعض المؤسسات الحقوقية، وتسجيل غياب صادم للاعبين الرئيسيين في المجتمع، وعلى رأسهم غياب الأحزاب السياسية والبرلمانيين عن النقاش، وأنهي الملاحظة النقدية بالسؤال، إن كانت الخارجية مستسلمة إلى عرف وثقافة تقليدية تعتبر قضية المرأة شأنها وحدها معفية الباقي من مسؤولياتهم.. وسألحقه بسؤال مشروع آخر، إن كانت ستكمل معروفها وتغلق الفجوة بالتوجه فوراً نحو استكمال الحوارات وتوسيعها لتشمل باقي المكونات المسؤولة والمهتمة في إطار نقاش غير شكلي قد تأخر، حول واحدة من أهم معالم الهوية الوطنية والاجتماعية للدولة الفلسطينية.
هل التأثير على التقرير ممكن..وهل يتم النظر إلى التأثير للحصول على تقرير جميل نتجمل به أمام العالم، وهل ننظر إلى إعداده مجرداً عن تطبيقاته وخاصة أننا قد أُتخمنا بأكوام الوثائق النظرية الرائعة، المعلقة كالشهادات الجامعية على الجدران. وهل يمكن أن يتحول نقاش التقرير إلى حوار مجتمعي تأخر الخوض فيه، أو بالأحرى تم تجنبه تجنباً لفرضية وعقلية ترتيب الأولويات.. وإلى متى سنبقى محاصرين بتخوفاتنا من فتح النقاش وتنظيمه، بينما النقاش الشعبوي غير المنظم يأخذ مجراه يومياً.
لا أراهن على مدى وحدود التأثير، فالموضوع شائك ومعقد لجهة النظرة للمرأة والإصرار على إبقائها في منزلة دونية ككائن قاصر، وبسبب المواقف المختلفة التي يفصل بينها الأنفاق والخنادق الاجتماعية.. ولا أراهن على تعليق الجرس والدعوة إلى فتح حوار مجتمعي ديمقراطي بين الاتجاهات والتيارات حول هوية المجتمع وفقاً للمبادئ المتبناة كركائز للدولة المستقبلية في وثيقة الاستقلال والنظام الأساسي، استناداً إلى نظرية الأولويات المعروفة.
ولا بد أن عدم قيام الحكومة بوضع خطتها للمواءمة انسجاماً مع متطلبات التوقيع والتزاماته؛ خير مثال على التلكؤ في أداء الواجبات.
فبعد مضي عامين على توقيع الرئيس على الاتفاقية؛ في الفاتح من نيسان من العام 2014، يترك الانطباع بأن المواءمة ووضع السياسات والتدخلات الإستراتيجية ستكون محط اختبار وتحدي لإرادة التطبيق.. إذا أرادت الحكومة اجتراح تجربة تسجَّل لها كسابقة ذات دلالة في المنطقة العربية، بعد تسجيلها سابقة التوقيع دون تحفظ منذ اللحظة الأولى للتوقيع، فلتذهب إلى توسيع دائرة الحوار والمشاركة، حوار ينطلق من تقرير "سيداو" نحو هوية النظام الذي نريد، وهو النظام الذي يجسد المبادئ المعتمدة في الوثائق، مبدأ المواطنة والمساواة.
وأخيراً، أذكر بمفارقة توقيع الاتفاقيات في يوم الأول من نيسان المرتبط في الأذهان بيوم خاص بالكذب، على اعتبار أن الأمر لا يعدو كونه يندرج في إطار الفولكلور الممارس في نيسان، وأن التوقيع والانضمام سينضمان إلى سلة المبادئ النظرية حبيسة الأدراج.. وللمقال بقية إيماناً بفرضية التأثير..