ما الذي قد يؤرق ويزعج فتاة في مقتبل العمر تعيش في كنف والديها؟ وما الذي يشغل بال شاب لا وظيفة لديه سوى التحصيل العلمي، ويجد طعامه وملبسه ووسيلة نقله جميعها مهيأة ومرتبة له؟
من مثل هذه التساؤلات تظهر قيمة المسؤولية ومدى تربيتنا وتعليمنا لأطفالنا على الكيفية التي يكونون فيها مسؤولين، وأهلاً للثقة.
لكن الذي يحدث مع الأسف مغاير تماماً لمثل هذا الواقع، فمثل تلك التساؤلات، تكشف أن طموحات وغايات البعض -وأشدد على كلمة البعض- من فتياتنا وشبابنا متواضعة جداً، بل ومحدودة الأفق والتطلع، ليس هذا وحسب، بل تظهر أنهم سلبيون جداً في واجباتهم الاجتماعية، بل واجبهم حتى لأقرب الناس لهم، وهما الأب والأم.
تداعت نحوي هذه الكلمات وتلك التساؤلات وبين يدي رسالة لقارئة وفيها: دوماً تتواصل معي، لكنها هذه المرة طرحت موضوعاً يمسها ويحزنها، وكأنها تطلب المشورة والرأي، قالت في رسالتها: "كنا نسمع أمهاتنا يقلن إن تربية الأبناء أصعب من تربية البنات، لكن في هذا الزمن، أقول بأن تربية الجميع صعبة ولا يمكن السيطرة على أحد منهم؛ يحزنني إن شاهدني ابني أو ابنتي أنظف أو أحمل شيئاً ولا يهب نحوي لمساعدتي، بحقٍّ أشعر بمرارة، أعرف أني لو نهرته أو طلبته سيثب من مكانه، لكنني كنت أريدها أن تأتي منه دون طلب وأمر".
هذه السيدة الفاضلة، وفي غمرة انشغالها بهموم الحياة وشجونها، وفي لحظة زمنية ما، توقفت ولاحظت عدم مبالاة أطفال الأمس شباب اليوم بتعبها وعدم تقديرهم لدورها، بل حتى عدم احترامهم. هنا تلجأ للحزن، لكن الحقيقة أن هؤلاء الشباب والفتيات لا يمكن أن نلومهم، لسبب بسيط جداً، وهو أننا لم نعودهم لم نربيهم، لم نزرع فيهم قيم المسؤولية، آثرنا راحتهم، وفضلنا توفير كل شيء لهم، فلم نعلمهم أن لكل شيء قيمة وثمناً، وأن عليهم التعب والبذل، والقيام بواجباتهم الحياتية، بل الأهم من هذا جميعه لم نعلمهم معنى الاحترام للكبير وتعظيم دور هذا الأب الذي يكدح من أجلهم ودور تلك الأم العظيمة التي تقدم وقدمت كل ما بوسعها لإسعادهم، بل كنا نحرص على تجنبيهم حتى الشعور أو الإحساس بالهموم الحياتية، خوفاً على مشاعرهم، ونتيجة كل هذا الدلال، ظهرت هذه الفجوة الكبيرة بين حجم ما قدم لهم من قبل الأبوين، وما يقدمونه كبر وإحسان، لمن ربى وعلم ورعى وسهر من أجله.
لا أسميه جحوداً؛ لأن البعض من الأمهات والآباء، هم الملامون أولاً وأخيراً ولا أحد سواهم.