أدعم دائما جميع الجهود الصادقة الأمينة التي تبذل لإتاحة الفرصة للمرأة السعودية للعمل اللائق في البيئة المناسبة التي تضمن لها حقوقها وخصوصيتها؛ ولا أفرق أبدا في الحقوق والواجبات في العمل، كما لا أفرق بين العمل في المنزل والعمل اللائق خارج المنزل. لكنني بعد أن اطلعت على التقارير المتخصصة عن عمل المرأة في المنزل أو عن بعد من مواقع العمل الأساسية، اتضح لي أن عمل المرأة الراغبة في العمل ليس بالضرورة أن يكون خارج المنزل إذا توافرت لها الفرصة لأدائه من منزلها.
وحسب التقرير في هذا الموضوع كانت تقديرات البنك الدولي أن النساء يشكلن نسبة 40% من السكان و70% من فقراء العالم، وإن أكثر من نصفهن عاطلات. أما سوق العمل العربي فقد أشار تقرير التنمية في الدول العربية إلى أن ظاهرة البطالة أكثر تأثيرا على النساء إذ ارتفعت إلى 50% لذلك اضطرت إلى التوجه إلى العمل من داخل المنزل، وشجعت كثير من الدول هذا التوجه كمخرج للأزمة ومنها المملكة العربية السعودية.
وتعد الغرف التجارية أكبر داعم ومساند، وعلى رأسها غرفة الرياض التي تقيم سنويا معرض منتجين متخصص لإنتاج عمل المرأة من المنزل، وكذلك جهود الأخت الزميلة ألفت قباني في مشروع الأسر المنتجة في منطقة مكة المكرمة. وأكبر مشروع تقوم به الدولة لدعم العمل من المنزل، هو مشروع مشترك بين شركة تكامل القابضة لخدمات الأعمال، وهي شركة متخصصة لدعم خدمات وزارة العمل وشركة انبعاث التنمية "توشير" السعودية أول مزود لخدمة العمل عن بعد، وهو مشروع هدفه متميز، ولو نجح سوف يعمل على توطين بعض الأعمال في المنزل وسيحد من الهجرة من القرى للمدن، وسيعمل على تطوير الإنتاج من المنزل.
وفي دراسة أعدت مؤخرا على عينة كبيرة من النساء القادرات المؤهلات للعمل أظهرت الدراسة أن 66% من العينة يفضلن العمل من المنزل لو توافرت لهن فرص العمل من خلاله. ويعد العمل عن بعد أو من المنزل توجها عالميا؛ ففي بريطانيا وصلت أعداد العمالة الذين يعملون عن بعد أو من المنزل نحو مليوني شخص، وفي الولايات المتحدة الأميركية وصل العدد إلى نحو 20 مليونا، وفي كندا مليون ونصف، وفي اليابان 13.5 مليونا.
وتتعدد وتتنوع أنواع العمل من المنزل في تخصصات: التسويق، والمحاسبة، وإدارة المواقع الإلكترونية والمنتديات، والتصميم، والصحافة الإلكترونية، وأعمال الترجمة والبرمجة، والأعمال البنكية، وإدخال البيانات، وأعمال السكرتارية، وتقديم الاستشارات القانونية والأسرية والاجتماعية، والتدقيق اللغوي، والأعمال المكتبية، والبحث الإلكتروني. ويعد العمل المنزلي أساس المؤسسات الصغيرة، حيث يتحول العمل المنزلي فيما بعد إلى مؤسسات فردية صغيرة، إذ تحتضن المؤسسات الصغيرة 84% من العمالة اليابانية، وتسهم بنحو 52% من إجمالي قيمة الإنتاج الصناعي. وفي إيطاليا وصل عدد المؤسسات الصغيرة إلى نحو مليونين ونصف مشروع فردي صغير، وفي أميركا تستوعب المؤسسات الصغيرة نحو 70% من قوة العمل. وفي دول الاتحاد الأوروبي 70% من العمالة تعمل في المؤسسات الصغيرة.
وبعد هذه المعلومات البسيطة عن عمل المرأة عن بعد، أو من المنزل، أجزم بأن أحد أهم الحلول لمعالجة بطالة عمل المرأة السعودية، هي تهيئة الفرص المناسبة، والأجواء المنتجة، والدعم اللازم، ووضع التشريعات اللازمة من أنظمة ولوائح، ودعم بالخبرة والتقنية لعمل المرأة من المنزل.
وكما أوضحت الدراسة أن عمل المرأة من المنزل سوف يوفر عليها 40% من دخلها الذي كانت تنفقه في الملابس والتزين واحتياجات الظهور.
ولينجح هذا العمل، فإن على الشركات الكبيرة دعمه ومساندته، وقد يكون أكثر فائدة اقتصادية من تشغيل العمالة في مراكز العمل. وقد يحتاج إلى تشريعات ونظام عمل خاص للعمل من المنازل.
والحقيقة أن مجتمعنا السعودي المسلم المحافظ قد يكون أكثر تقبلا لعمل المرأة من خلال المنزل لبعض العوائل في المدن والقرى. وهو مخرج جيد لتحقيق طموح العمل للعمل، والعمل لتحقيق الدخل وتطوير اقتصاديات الأسرة.
إن دعم العمل من المنزل لا يضيع أو يسقط حق المرأة في العمل في أي مكان لائق؛ وإنما هو طرح أردت به الإيضاح لأهميته والاستدلال بنمو هذا النوع من العمل في الدول المتقدمة.