من الذي يمكن أن يجرؤ على القول إن البشرية خلال بضع سنوات، لم تتطور، أو لم تقفز بشكل مدوٍّ، وكأنها اختصرت نحو مئة عام من التاريخ البطيء والروتيني للإنسان؟
أعتقد أننا جميعاً نعتبر دخول شبكة الإنترنت كان حدثاً مفصلياً عاماً وشاملاً، كان لها تأثير بالغ وكبير، ستعجز الدراسات والبحوث العملية عن رصده، لأنه لم يكن في مجتمع إنساني دون سواه، بل كان شاملاً لجميع المجتمعات البشرية من دون استثناء، على الرغم من أن هذا الحدث لم يتجاوز العقدين من الزمن أو تجاوزه ببضعة سنوات.
لكن خلال الأعوام العشرة الأخيرة تحديداً، حدثت قفزة أخرى لا تقل روعة وخطورة عن دخول شبكة الإنترنت، وهي تدشين عالم الهواتف الذكية، وهذه بحد ذاتها نقلت المعارف والمبادئ والقيم المختلفة لتكون في بوتقة واحدة، وبين يدي جميع الأطراف سواء تلك الرافضة أو المؤيدة، ببساطة بات الفضاء العلمي والمعلوماتي والقيم وغيرها كثير متداولاً وبسرعة وخفة متناهية ومن دون أي حواجز.
تبعاً لهذا التطوير دخلت التطبيقات والبرامج التي تساعد هذه الهواتف الذكية، وتستفيد من تقنياتها المهولة، ولم تتوقف الشبكة الأم عن إذهالنا، فهذه هي تدشن عصر مواقع التواصل الاجتماعي التي نشارك فيها جميعاً، ليس هذا وحسب، بل يحدث تطوير مستمر فيها، ودخول تقنيات أكثر حداثة والهدف التسهيل على المستخدمين.
ونحن مقبلون على حقبة الاتصالات المجانية بكل ما تعني الكلمة، ويتوقع أن تكون هناك شركات ستخرج من المنافسة تماماً، وتدخل شركات بتفكير وعقول جديدة، تساير هذه التطورات التي لن تتوقف عند مواقع التواصل الاجتماعي أو عند التطبيقات، بل ستكون تطويرات جذرية تماماً، والمقبل سيكون أكثر إذهالاً، ونحن لا نتحدث عن مئة أو خمسين عاماً، بل عن بضع سنوات أخرى، والسؤال البديهي أين نحن من كل هذا؟