تجسد بعض المقتطفات القصصية التي يستعين بها هذا المقال طبيعة الواقع الذي نحياه. ووضعية المرأة في ظل هذا الواقع. وانعكاس الاوضاع على علاقتها بالرجل حتى في اكثر جوانب هذا الواقع خصوصية. وكيان المرأة الذي يتبدى يختزل الى عنصر انوثة يؤدي وظيفة انجاب الاطفال ىالمحافظة على الملكية الفردية من الصلب الى الصلب، او الى اداة متعة، وهو في كلتا الحالين شيء يملكه الرجل.
ومفهوم الجنس الذي يطالعنا، مفهوم من آلاف الاف المفهومات المتخلفة التي تحكم واقعنا العربي ولكنه مفهوم يجسد اكثر ما يجسد اي مفهوم آخر طبيعة هذا الواقع – والرجل الذي ينظر الى الجنس كعملية قنص وصيد وغزو واذلال وانتصار، يصدر عن نفسية القاهر المقهور المحروم من مجتمعه، من الحرية والفاعلية والايجابية والقدرة على الفعل واغناء الذات وتحقيق الهدف والتفاعل الخلاق، بل يلهيه بمعارك وهمية، تكرس وضعه واحباطه وعجزه.
واذا كانت هذه الاوضاع تشل فاعلية الرجل العربي مرة، فهي تشل فاعلية المرأة مرتين. ولا خلاص منها الا بمزيد من الوعي الثقافي من جانب الرجل ومن جانب المرأة على حد سواء.
تروض الفتاة العربية منذ الطفولة للقيام بالدور الذي يرسمه لها المجتمع، اي انجاب الاطفال والانتقال من ملكية الاب الى ملكية الزوج، ومن طاعة الاب الى طاعة الزوج.
ولا يخطر ببال احد ان المرأة انسان ككل انسان له غرائزه ومشاعره واحاسيسه واحلامه وتطلعاته التي يتمسك بها، وان الاخلاص للزوج شعور ينبع من الداخل ولا يملئ من الخارج ايا كانت الوصاية.
تتعدد ادوات القهر في الوطن العربي وتمتد كأنتشار السرطان من نظام الدولة الى نظام الاسرة من طبقة الى طبقة ومن رجل الى رجل ومن امرأة الى امرأة، فالاب قاهر والام التي قهرت تتحول الى أداة قهر، ومن الطبيعي ان ينتهي هرم القهر بقهر المرأة ذاتها لنفسها وبأرادتها الحرة، او بما تتوهم انه ارادتها الحرة.
يتعرض الرجل، شأنه شأن المرأة، لعملية ترويض بقدر متفاوت وبصورة مختلفة، اذ يعد الرجل بدوره لاداء الدور المرسوم له في اطار المجتمع – وعادة ما تنصرف وسائل التربية والاعلام والتعليم الى ابراز عناصر الايجابية والعدوانية والشجاعة والاقدام والابتكار في الرجل بينما تعني بتكريس عناصر السلبية والاستسلام والنكوص والاتكالية عند المرأة - - والصورة المثالية التي يتبناها المجتمع هي صورة المرأة التي تفني ذاتها وفكرها ومشاعرها في الرجل. فهي منكرة للذات والمضحية بها والقادرة على تحمل المكاره والصعاب، بقلب راض متسامح وعطوف وودود - - وهي الصورة المرأة الرقيقة الوديعة الباسمة العذبة الهادئة دائما وابدا.
تتبنى المرأة الصورة المثالية التي يمليها عليها المجتمع تبنيا كليا او جزئيا، او ان تتظاهر بتبنيها لكي تتواءم مع المجتمع مبدية للعالم الخارجي المظهر المطلوب، وطاوية الاعماق على ما يختلج في كيانها من احباط وغضب وثورة وميل الى العنف والعدوانية نتيجة هذا الاحباط وميلها الطبيعي هذا الى التدمير، عادة ما يختفي موغلا في الداخل بدلا من ان ينصرف الى الخارج ومؤديا الى تدمير الذات عوضا عن تدمير الاخرين.
فللمرأة نفسية المقهور القاهر، وهي ترغب في ممارسة القهر على الاخرين مثلما يمارس عليها، فهي تمارسه فعلا في علاقاتها بأبنائها حينا، وفي علاقاتها بمرؤوسيها احيانا، وفي علاقاتها بمن هم دونها في السلم الاجتماعي احيانا اخرى، ولكنها لا تمارسه الا في حدود، خوفا من الخروج من اطار الصورة المثالية التي يرسمها المجتمع للمرأة.