تشعر آمنة بطعم الحرية وهي تركب بصحبة صديقاتها دراجتها الهوائية على طريق صلاح الدين الرئيسي في شمال قطاع غزة غير آبهة بالعادات والتقاليد المحافظة في القطاع الذي تحاصره اسرائيل منذ عشر سنوات.
وتخرج آمنة سليمان (33 عاما)، ترافقها سارة الصليبي (24 عاما) وشقيقتها نور واصالة ابوشرخ (20 عاما)، دراجتها الزرقاء اللون، من منزلها في مخيم جباليا المكتظ باللاجئين، وتمضي مسرعة نحو الطريق الرئيسي لتمارس هوايتها بركوب الدراجة الهوائية، وهو امر نادر في مجتمع محافظ.
ولم تتعرض الفتيات لمضايقات مباشرة من المارة، لكن قيادتهن للدراجات اثارت دهشة الكثير من المواطنين، وشتائم وتهكما من سائقين ومارة.
وتقول آمنة "الناس يستغربون من اي فعل للمرأة في الشارع باعتباره ضد التقاليد والعادات، وهذا امر مرفوض، لان ما نقوم به لا يتنافى مع الدين".
وتتابع بشيء من التحدي "يجب ان تنتهي القيود ضد المرأة، أحاول ايصال رسالتنا بطريقة بسيطة وسلمية. للمرأة حرية يجب ان تأخذها، يجب ان تثبت حضورها في المجتمع".
وترتدي آمنة، وهي مدرسة لغة انكليزية، سروالا للرياضة اسود اللون، وتغطي رأسها بقبعة رياضية من اللون نفسه.
وتسيطر حركة حماس على قطاع غزة منذ 2007، لكن النساء يواجهن قيودا تمليها العادات والتقاليد أكثر من القوانين.
وتبلغ نسبة مشاركة الاناث في القوى العاملة في الاراضي الفلسطينية بشكل عام 19% ، وفي قطاع غزة بالتحديد 21%، وفق تقرير نشره مركز الاحصاء المركزي الفلسطيني الاسبوع الماضي. وفي القطاع الوظيفي في حكومة حماس، تشغل المرأة نحو 40% من الوظائف المدنية.
وكانت اول تجربة لآمنة في ركوب الدراجات اشبه بالمغامرة قبل ان تنضم اليها صديقاتها.
وتقول آمنة "ركوب الدراجة شيء نحبه منذ كنا صغارا، وقررنا ان نجدده، أشعر بالحرية والسعادة وانا اركب الدراجة".
وتدرك سارة الصليبي (24 عاما) التي تتحدر عائلتها من قرية دير سنيد في قضاء المجدل ان المجتمع في غزة يرفض ان تركب فتاة دراجة هوائية في الشارع، لكنها تصر على المضي في ممارسة هوياتها "لانني مقتنعة بها".
وتبدأ رحلة الفتيات من مدخل جباليا على مسافة تزيد عن خمس كيلومترات حتى معبر بيت حانون (ايريز).
واشترت سارة زجاجة مياه من كشك قرب نقطة امنية تابعة لشرطة حماس في المعبر حيث قابلها احد عناصر الامن بابتسامة.
قبل انتهاء الرحلة، تأخذ الفتيات استراحة تحت شجرة زيتون على الجانب الشرقي للطريق ويتناولن افطارا خفيفا من الخبز والجبن، ثم يغادرن الى بيوتهن.
على طريقهن، غالبا ما يتوقف سائقو سيارات في وسط الطريق، فيكتفي بعضهم بالابتسام، فيما يعاكسهن البعض الآخر.
ويقول أيمن (25 عاما)، وهو سائق سيارة اجرة، "بنات على بسكليتات (دراجات) في غزة؟ بجد غزة بلد العجائب". ويضيف ممازحا "اذا تعممت البسكليتات في غزة لن تركب اي بنت سيارة اجرة".
بالنسبة الى الانتقادات، تقول سارة "لا نبالي بالمعاكسات".
اما آمنة فتبدي انزعاجها من طريقة النقد و"التهجم. أنا حزينة على هؤلاء الناس".
على مواقع التواصل الاجتماعي، تباينت الآراء بين مؤيد ورافض عندما نشرت آمنة على حسابها على موقع فيسبوك صورتين لها ولزميلاتها على الدراجات، لكن الغالبية لم تبد انزعاجا. فمقابل اربعين تعليق ايجابي، حملت اربع تعليقات شتائم.
وعلق ناشط "فكرة رائعة تظهر الوجه الجميل للمرأة في غزة، المرأة تقاوم المحتل وتناضل من اجل حريتها في مجتمعها". بينما علق آخر "عيب اقعدوا في بيوتكم افضل".
وفوجئت آمنة التي عادت اسرتها الى قطاع غزة العام 1994 بعدما كانت تقيم في سوريا بحضور والدها، الموظف المتقاعد في وزارة المواصلات، ليشاهدها وهي تقود الدراجة. وقال لها "جئت لاطمئن عليك"، متمنيا ان تذهب الى عملها بواسطة الدراجة، وهي تعبر عن سعادتها للتاييد الذي تلقاه من والدها.
وترى الطالبة الجامعية سامية (20 عاما) ان "الناس في غزة منفتحون ويتقبلون تدريجيا الكثير من ممارسات نعتقد انها مرفوضة او ممنوعة".
ولا تحظر القوانين الفلسطينية ولا حماس ركوب الدراجات بالنسبة الى المرأة.
ويؤكد احد رجال الدين ان الدين لا يمانع "اذا كانت المرأة محتشمة وملتزمة الاداب الشرعية".
والهدف بالنسبة الى سارة هو الرياضة بحرية بعيدا عن ضغوط العمل موضحة "لذلك اخترنا عطلة الجمعة لركوب الدراجة بعيدا عن زحمة الطرق".
وتعمل الفتاة مدرسة لغات في المدرسة الاميركية في غزة.
ويخطر ببال سارة وصديقاتها فكرة القيام "بثورة اجتماعية" لتغيير تقاليد وعادات المجتمع، لكنها تقول "وجدنا ان الفكرة قوبلت بنظرة ايجابية من الفتيات، وساكون سعيدة اذا انضمت الينا فتيات اخريات".
وتقول آمنة "نشجع اي عمل يكسر القيود المجتمعية ويحقق حرية المرأة".