فيلومين، أو “عاشقة القمر” في اللغة الإغريقية، سيّدة أعمال إيفوارية استطاعت أن تحلّق عاليا في سماء الأعمال ببلدها، بفضل إصرارها على تحقيق نجاح استثنائي رشّحها لأن تكون نموذجا يحتذى به من قبل نساء كوت ديفوار، بل يصفها كثيرون بأنها “شمس″ تضيء سماء الأعمال في البلاد.
هي اليوم من أهم سيدات الأعمال في بلادها.. اسمها الكامل فيلومين تيا غلاو، وقد تسلّقت سلم النجاح منطلقة من الصفر، لتشرق شمس نجاحاتها في مجالات التجارة والنقل البري وتربية الماشية والفندقة وزراعة القهوة والكاكاو والمطاط والمحاصيل الزراعية وغيره.. هي موجودة في جلّ القطاعات تقريبا، ومع ذلك، فإنّ نهمها للعطاء لا حدود له على ما يبدو، حيث تشرف على تعاونية تضمّ أكثر من ألف سيّدة، كما لا تتوانى على مد يد العون للمسلمين والمسيحيين في البلاد”.
حكايتي تبدأ، كمعظم الأفارقة، من الصفر”.. بهذه العبارة استهلّت فيلومين حديثها ردّا على سؤال حول بداياتها.. “نشأت في أسرة فقيرة للغاية ومتعددة الأفراد، تتكون إجمالا من 42 طفلا”، تضيف للأناضول وعيناها تتفحّصان الفضاء الواسع بغير تركيز. اليوم، تبلغ “عاشقة القمر” من العمر 47 عاما، وهي أم لـ 6 أطفال، حيث أجبرها والدها على الزواج مبكّرا برجل مسنّ.. لم يكن من الهيّن أن تجد نفسها في وضع مماثل، وقد كان بالإمكان أن تنساب أيامها حزينة رتيبة لا حياة فيها، غير أنّ تركيبتها النفسية الفريدة من نوعها دفعتها إلى “قلب الموازين لصالحها”.
ومنذ ذلك الحين، بدأت العمل في الحقول، وشرعت، بالتزامن مع ذلك، في ادّخار بعض الفرنكات يوميا، تقوم بإخفائها في مخدعها، إلى أن تمكّنت من الحصول على 30 دولارا في المجموع. مبلغ بسيط، تقول مبتسمة، غير أنّه لم يكن كذلك بالنسبة لسيّدة معدمة بدأت حياتها المهنية للتوّ.. “اشتريت بالمدخرات حقلا من الفول السوداني”، تتابع بفخر، “وقد بلغ المحصول الأول 75 كيسا، عرضت الكيس الواحد للبيع مقابل 10 دولار (أي 750 دولار في المجموع)، وكنت في كلّ مرّة أقتطع البعض من تلك الأموال وأخفيها كالعادة في الركن الصغير الذي خصصته لذلك في مخدعي”.
و”بمرور الوقت”، تواصل السيدة الإيفوارية حديثها، “وجدت أنّه كلما ادّخرت مبلغا من المال ثم استثمرته، إلا وحصلت على إيرادات ومرابيح إضافية، فكان أن قرّرت إنشاء متجر صغير لبيع الأسماك على مقربة من الحدود مع غينيا.
وفي وقت قياسي، أصبح متجري نقطة تزوّد رئيسية بالأسماك للإيفواريين والغينيين على حد سواء في المنطقة (الحدودية)”.
إثر ذلك، ورغم معارضة زوجها، إلاّ أنّ فيلومين حصلت على قرض من البنك الإفريقي للتنمية، بقيمة 700 دولار، لتمويل مشروع لتربية الماشية، حيث ابتاعت 26 عجلا.
مسيرة مهنية هادئة وموفّقة منحت السيّدة الإيفوارية الكثير من الأمل، غير أنّ تلك السكينة التي ميّزت حياتها لفترة ما سرعان ما انقلبت رأسا على عقب. ففي أيلول/سبتمبر 2002، هاجم متمردو الشمال منطقة “مان” (غربي كوت ديفوار) حيث تقيم، واستولوا من مزرعتها على 300 رأس من الماشية، وبسطوا سيطرتهم على المنطقة، لتجد “عاشقة القمر” نفسها مضطرة للانتقال إلى غينيا المجاورة.
الحادثة بعثرت موازين الأمل بداخلها كما تقول، ومع ذلك، استطاع ذلك الإصرار النابع من إيمانها القوي بأن الحياة تداول بين المسرات والخيبات، أن يتغلّب على جميع العقبات أمامها، عاقدة العزم على العمل والنجاح من جديد، ووضعت كل طاقاتها في مجال توزيع الأسماك في غينيا، وادّخرت الأموال من جديد على مدى سنوات من الكدّ والعمل، إلى أن تمكنت في 2007، من تأسيس شركة للنقل أطلقت عليها اسم “ميندبا” أو “إنها لي” (في اللغة المحلية الايفوارية)، تضم “47 سيارة”.
عودة قوية إلى عالم الأعمال فتحت لها الأبواب على مصراعيها لتستثمر في مجالات تربية الماشية والزراعة، حيث تمتلك اليوم ما لا يقلّ عن 3 آلاف و170 رأسا من الأبقار و12 هكتارا لزراعة الفول السوداني و7 هكتارات للكاكاو و40 هكتارا للأرز.
كما لم تتردد في الخوض في مجال العقارات بمدينة “مان”، ما جعلها تمتلك العديد من المنازل التي تقوم بتأجيرها.
طموح ونجاحات لم تحجب قلبا يفيض خيرا وحبّا لسكان مدينتها، حيث أبدت السيدة دعمها للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، وأسهمت في بناء 7 مساجد وعددا من الكنائس بمنطقتها، من خلال تكفّلها باقتناء مواد البناء. أنشطة خيرية ترى “عاشقة القمر” أنها من الأعمال التي من البديهي أن يقوم بها أيّ شخص قادر على ذلك.
وعلاوة على ما تقدّم، تشرف فيلومين على تعاونية نسائية تحمل اسم “سكوب بافيت” وتضمّ آلاف المنتجات الفلاحيات بمنطقة تنبكي. مكانة هامة تحظى بها هذه السيدة، ليس في مجال الأعمال فحسب، وإنّما في قلوب جميع المنتسبين للتعاونية، وهذا ما يفسّر الاستقبال الذي تحظى به في كل مرة تزور فيها سوق “مان” الكبير، والذي عادة ما يكون موشّحا بالأغاني والأهازيج.
ترحاب قالت البعض من أعضاء التعاونية، إنه يليق بسيدة منحت مؤسستهن شاحنتين بقيمة 120 ألف دولار، حيث أعربت كلّ من ديوماندي مابانتي وبوتي سوري جان شانتال وساديا هنرييت أو غبا فيفيان، عن إعجابهن “اللا محدود” بهذه السيدة التي تحظى بحب وتقدير الجميع.
مادلين دوان، بائعة موز في سوق مان قالت، من جانبها “قدّمت لنا (فيلومين) التمويلات والدعم، إنها محاربة من طراز رفيع، وتدرك جيدا مدى فقر رفيقاتها، ولذلك تسعى إلى بعث الأمل في نفوسهن.. إنها تعتبر نموذجا يحتذى به جميع المستويات، وحتى في طرق تربية بناتنا”.
اليوم، تلقّبها نساء التعاونية بـ “ديودوني”، أو “الهبة الربّانية”، في إشارة إلى عطائها الذي لا ينضب وطموحها الذي لا يعرف الوهن، حتى أنها أعلنت أنها تعتزم، مستقبلا، بناء فندق كبير.