ورثنا عادة كانت تمارسها بعض دور النشر العربية، وأشدد على كلمة بعض، وهذه العادة تتمثل في السعي نحو المؤلف، وبمجرد توقيع العقد معه، تتلاشى الوعود البراقة الخلابة، فيدخل هذا المؤلف في متاهة متى ينشر كتابه؟ وبعد أخذ ورد، يجري النشر أخيراً، ثم يدخل في متاهة أخرى تتعلق بالتوزيع، فالناس تسأل أين كتابه؟ وهو نفسه لا يجد نسخة يشتريها، وعندما يتصل بالناشر، لا يجد رداً ولا إفادة، فهو لا يعلم إذا كانت نسخ كتابه قد نفدت أين مكاسبه؟ وإن كانت موجودة فلماذا ليست في المكتبات؟
هذا جانب من معضلة باتت دور نشر حديثة النشأة تمارسها، لكن المعضلة الحقيقة هي عندما يشعر المؤلف بتجاهل الناشر له تماماً، وتعمد عدم توزيع كتابه، فهو لا يستطيع إعادة طباعته ونشره عند أي دار نشر أخرى، لأنه ملتزم بعقد ساري المفعول، ولا يستطيع أن يلزم الناشر بالتوزيع ولا بدفع مستحقاته.
لدى دور النشر رابطة واتحاد لدعم صناعتهم، لكن المؤلفين لا أحد لديهم، فلا يحصلون على المشورة القانونية حول تلك العقود التي تُبرم مع دور النشر، التي تبيع كتبهم وتعبهم ولا تدفع ما عليها من مستحقات، ولا هي توضح كم النسخ التي بيعت، وكم بقي منها، وكم للمؤلف، وكم أخذت الدار.
إذا كنا نريد بحق تأسيس صناعة نشر حقيقية، فإنه من اللازم دعم الطرفين الناشر والمؤلف، وإذا أردنا دخول أسماء جديدة إلى عالم التأليف والكتابة، فيجب أن نطور من أساليبنا في التعامل، وفي التعاقد، بحيث تكون واضحة للطرفين، وتعطي كل ذي حق حقه، بمعنى أن يكون للمؤلف حق فسخ العقد عندما يحدث تعثر في التوزيع، وتكون هناك جهات معنية في وزارة الثقافة تضطلع بدور الرعاية والمتابعة والمراقبة.