رايته مشغول البال ،منهمكاً في التفكير والسرحان.. ربت على ظهره : ما بك يا صديقي .. اراك اليوم على غير عادتك ...؟ ، استدار ناحيتي ضاغطاً على شفتيه ،ورافعاً قفصه الصدري بشهيق طويل ليتبعه بزفير أطول .. قلت : لا ..أنت اليوم مشغول ومهموم بشيء ما.. ؟ قال بعد ان استعاد نفسه، وعاد إلى وجوده من لحظات هيام : أسكت أخي .. اعتقدت أن عبثاً عشقيا في سن المراهقة قد دفنته السنون وانتهى .. لكن لم أتوقع أن تنزاح عنه ركامات الزمن ليبرز لي فجأة دون سابق انذار بمجرد سماعي لصوتها ورؤيتي لمحياها .... فالحكاية أنهقبل ايام رن هاتفي وعلى غير عادة الاتصالات الهاتفية الأخرى أحسست بهزة غريبة في كياني وأنا اتطلع على الرقم الغريب غير المدون في قائمة التواصل المعتادة مع بعض الاقارب والاصدقاء والزملاء .. ترددت في الإجابة واستمريت في تأمل الرقم ، قد يكون اتصالاً من أحد مندوبي البنوك أو الشركات التي ازدادت اتصالاتهم في الايام الأخيرة ،وفي كل الأوقات دون استئذان لينهالوا عليك بعروضهم وميزات خدماتهم وسلعهم .. حدثت نفسي والرقم ما زال يرن : لا .. لا.. هناك شعور غريب يقول لي بأن هذا الاتصال ليس من مندوب أو عابث أخطأ بالرقم ... إرادة خفية دفعتني لترك الترد والرد على المتصل .. كان بالطرف الآخر صوتاً انثوياً رقيقاً لم أتعرف على نبراته .. رددت ببلاهة : نعم .. من المتصل ..؟ ردت : أنا ... الم تعرفني يا .....؟ أصبت بصدمة المفاجئة غير المتوقعة .. قلت باستغراب : معقول أنتي ....؟ ردت : نعم أنا وصلت قبل يومين .. هنا بدأ شريط ذكريات طويل يمر في ذاكرتي بشكل متسارع لم يمكني من الاستماع بشيء من التركيز لثرثرة طويلة عن أحوالها وأحوال أهلها والمقربين منها .. رددت ثانية بعبط شخص غير مصدق : معقول أنتي هنا ..؟ ردت بثقة : نعم أنا هنا .. بالرغم من المفاجأة إلا أنه تملكني شعور مليء بسعادة غامرة وغائرة في أعماق كياني ، فلحظات السعادة عندي طيلة سنوات مضت لم تكنسوى لحظات عابرة وعقيمة تفتقد لمواصفات وفعل السعادة الحقيقية التي تغمر كيان ووجدان الانسان .. هي اردفت علي مجموعة من الاسئلة والتساؤلات التقليدية عن الأهل والابناء .. استعدت بعض رباطة جأشي فاجبتها إجابات سريعة ومقتضبة .. اعدت على مسامعها عدم تصديقي بوجودها في نفس بلد اقامتي .. ملئني شعور من كان يفتقد لنصف كيانه ،بل كيانه كله ليجده فجأة بقربه على بعد كيلومترات معدودة ، ويسمع ترانيم صوته عبر الهاتف وكأنه بجواره .. أحسست بخفقان قلب وتحرك مشاعر غبطة وسعادة لم تك بالحسبان .. رددت : هل أنا في حلم ..؟ قالت ضاحكة : ما بك يا .... أنت في علم .. أنا هنا ..! انتهت المكالمة العاصفة والمفاجئة بموعد لقاء في مكان اقامتها .. عند اللقاء كانت هناك حميمية لا توصف كاد كل منا يحتضن الآخر .. نظر كل منا إلى الآخر بنظرات تملؤها الكثير من التساؤلات والشوق والاشتياق .. حقيقة بعد تمعن كل منا في الآخر ،راينا ان السنون ودوامة الحياة، وخيارات كل منا لسبيل حياته أحدثت تغييرا برز في بعض ملامحنا الجسدية والفكرية ،وان ظل كل منا محتفظاً ببعض ملامح أو مظاهر سن المراهقة الجميلة .. تكرر اللقاء طيلة فترة بقاءها .. كانت بالنسبة لي أسعد الايام وأمتعها .. طبعاً اللقاءات تتم ببعض التحفظ مراعاة لكوابح العادات والتقاليد .. بالرغم من محدوديتها إلا أنها كانت محطات استجرار لماض جميل كانت تمتزج فيه براءة حب وعشق عذري لم ندرك لحظتها متتبعاته الاجتماعية والاسرية سوى بانغماسنا بحذر وببراءة في متعة استمتاع بلحظات اللقاء والتلاقي الخاطف في خفية وبعد عن الانظار ...
قلت له مبتسماً ورابتاً على كتفه : صديقي العزيز .. أنني اغبطك على هذا الشعور وهذه اللحظات الرومانسية القادمة إليك من أعماق الزمن ...!