ثمة العديد من المناسبات المرتبطة بأيام السنة، إلا أن يوم المرأة المصادف في الثامن من آذار (مارس) من كل عام، يأتي بعد 105 أعوام على إطلاق هذه المناسبة في العام 1911، مؤرخا للتحديات ولإنجازات النساء في كافة أنحاء العالم.
وتعتبر المناسبة في هذا العام، نقطة البداية للهدف المنشود والمدعوم من قبل الأمم المتحدة لتحقيق أهداف المساواة بين الجنسين خلال الأعوام الخمسة عشر القادمة، وبالشعار الذي أطلقته “نحو عالم 50-50 في العام 2030”.
ومع الإحتفالات في أكثر من 40 بلدا حول العالم، تبحث الأمم المتحدة في كيفية ضمان جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة، والتي تضع تمكين المرأة في وسط خطط الاستدامة العالمية، لا سيما إمكانية تحقيق هذه الأهداف وبشكل ملموس خلال السنوات القادمة.
نظرة تاريخية
برزت فكرة “يوم عالمي للمرأة” لأول مرة من أنشطة الحركات العمالية في مطلع القرن العشرين في أميركا الشمالية وكافة أنحاء أوروبا، بهدف لفت النظر إلى الدور البارز للنساء في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء.
وكان الإشتراكيون أول من أكد حق المرأة في الاقتراع، وكان “يوم المرأة العالمي” السنوي الأول قد نظمته الباحثة الألمانية الاشتراكية كلارا زيتكن Clara Zetkin في آذار (مارس) 1911، وتميز بحضور أكثر من 100 مندوب من 17 بلدا، وشارك بهذا الحدث في القارة الأوروبية أكثر من مليون شخص في النمسا، الدنمارك، ألمانيا وسويسرا، فضلا عن خروج المئات من المظاهرات في كافة أنحاء الإمبراطورية النمساوية المجرية.
وقد عُززت الحركة النسائية الدولية المتنامية، بتنظيم الأمم المتحدة أربعة مؤتمرات عالمية للنساء، وكانت هذه المؤتمرات، فضلا عن نشاطات متعددة أخرى، فرصة لحشد الدعم لحقوق المرأة ومشاركتها في المجالات السياسية والاقتصادية، إلى أن أعلنت الأمم المتحدة في العام 1975، يوم 8 آذار (مارس) يوما عالميا للمرأة.
ويعد هذا اليوم عطلة رسمية في أكثر من دولة، منها: أفغانستان، أنغولا، أرمينيا، أذربيجان، روسيا البيضاء، بوركينا فاسو، كمبوديا، الصين، كوبا، جورجيا، غينيا – بيساو، وإريتريا، كازاخستان، قرغيزستان، لاوس، مقدونيا، مدغشقر، مولدوفا، منغوليا، نيبال، روسيا، طاجيكستان، تركمانستان، أوغندا، أوكرانيا، أوزبكستان، فيتنام وزامبيا.
وأصبح اليوم العالمي للمرأة على نحو متزايد، فرصة للتأمل في التقدم المحرز، والدعوة إلى التغيير، فضلا عن الاحتفال بأعمال تتميز بالشجاعة والتصميم والمثابرة توالت على إنجازها نساء عاديات لعبن دورا غير عادي في تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن.
واقع المرأة
بدأت حركة حقوق المرأة بالمطالبة بحق الإقتراع، ورغم أن هذا الحق يعتبر للكثير من النساء أمرا من الماضي، فلا زال في كثير من بلاد العالم جزءا أساسيا من كفاح النساء لنيل حقوقهن.
وفي هذا المجال، كانت فنلندا أول دولة في العالم دعت لإيلاء الاهتمام الكامل في حق الإقتراع، أي حق التصويت والترشح لمنصب الرئاسة لجميع المواطنين، بمن فيهم النساء، وأعطي حق الإقتراع لهن في العام 1906، إلا أن نيوزيلندا تعتبر أول دولة منحت المرأة حق التصويت والترشح في العام 1893، وأما في الولايات المتحدة فكانت النساء أول من كافحن من أجل حقهن في الاقتراع، لكنهن لم يكنّ أول من يفزن به، ولم تمنح كل الولايات حق التصويت للنساء في نفس الوقت، ولم يتم تفعيل حق المرأة في التصويت على المستوى القومي الأميركي إلا بحلول عام 1920.
وفي لبنان، ورغم أن حق التصويت للنساء شرع في العام 1952، إلا أن هذا الحق لا يعطى لمن هم دون الـ 21 سنة وللجنسين، بينما في معظم بلاد العالم، فإنه يعطى في سن الـ 18، والمفارقة أنه في إندونيسيا يعطى هذا الحق للمرأة المتزوجة فقط مهما كان عمرها، أما في السعودية التي صنفت في المنتدى الاقتصادي العالمي الدولة رقم 127 من أصل 136 في المساواة بين الجنسين، أعلن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في العام 2011 أن النساء سيتمكّن من المشاركة في الإنتخابات البلدية السعودية عام 2015، وأُقرت مشاركة المرأة في الترشح والانتخاب لعضوية المجالس البلدية، بالإضافة إلى التعيين في مجلس الشورى السعودي ووصلت نسبة النساء في مجلس الشورى إلى 30 بالمئة، بعد أن اقترعت المرأة للمرة الأولى في العام 2015، وتشكل النساء السعوديات حاليا أكثر من 20 بالمئة من القوة العاملة، بينما المفاجأة أنه في الفاتيكان، لا تقترع النساء أبدا.
أما اليوم، فلا تشغل النساء سوى خمس المقاعد البرلمانية، وتشغل 19 إمرأة فقط منصب رئاسي من أصل سبع نساء قبل 20 عاما في 196 دولة، لذا لا يزال هناك الكثير من العمل يتعين القيام به.
وفي البلاد العربية بشكل عام، وعلى الرغم من أن دساتير معظم هذه الدول تنص على الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة، فإن بعض البلدان التي تبنت بعض الأنظمة العلمانية، أقرت قوانين لصالح المرأة،كمنع تعدد الزوجات في تونس، أما بالإجمال، فلا زال وضع المرأة مماثلا وعرضة لتأثير الموروثات الثقافية والإجتماعية المهينة للمرأة، ما يساهم بشكل أكبر من الدين والعقيدة في الحد من اكتساب المرأة لحقوقها، فضلا عن التمييز القانوني بالرغم من المطالبات بتعديل القوانين التي تنتهك حقوق المرأة كقوانين جرائم الشرف. وتكافح النساء في البلدان العربية لنيل الكثير من الحقوق، منها المساواة في الحياة العملية والدراسية، ومنح الجنسية للأولاد، والحق القانوني في الميراث والحقوق المدنية، وخصوصا في مواجهة العنف الجسدى والإضطهاد النفسي ضد المرأة.
أما في لبنان، فقد قطعت المرأة شوطا هاما في مجال نيل الحقوق، إلا أنها لا تزال غير متساوية مع الرجل في العديد من القوانين، ومنها الجنسية، وقوانين الأحوال الشخصية من ميراث وحقوق المرأة بالولاية والقوامة والوصاية على أطفالها وتبنيهم وبحق اختيار اسم الأسرة، خصوصا من ناحية خضوعها للقوانين التابعة لكل مذهب. وفي هذا المجال، تتعرض المساواة بين النساء أنفسهن للتباين، والتباين في قانون العقوبات عن الرجل، خصوصا في حالات الطلاق والزنا، فضلا عن عدم حصول المرأة على مناصب وزارية مهمة (وزارات سيادية)، رغم وجود كفاءات عالية بين النساء تمكنهن من تبوّء هذا المركز بكل جدارة، كذلك الأمر في مجالات التمييز في حقوق العمل من أجور وضمان إجتماعي وتعويض عائلي وغيرها.