تنقسم السنة بالتقويم الغربي إلى اثني عشر شهراً تبدأ بكانــون الثاني (ينايــر) وتنتهي بكانون الأول، والشهر الثاني فيها هو (شباط/ فبراير).
والكانون هو الموقد بالعربية، والكانونُ أيضــاً الثَّقيلُ الوَخِم، وقال ابن الأَعرابي: الكانون الثقيل من الناس؛ وأَنشد للحطيئة في هجاء أمِّـه:
أَغِرْبالاً إِذا اسْتُودِعْت سِرّاً،*** وكانونـــاً على المُتَحدِّثِينــا؟
وفي أول شهر شباط ( الثاني من السنة بالحساب الغربي كما قدَّمنا) يقول السكان المحليون والفلاحون: اليوم تنقشع المربعانية الأم، ويدخل ابنها الشَّقِيُّ شباط أو (الشبط)، وكنيته الشعبية (مقرقع البيبان).!
والشبط يُسمى في الخليج برد البطين لأنهم يعتبرون المربعانية بداية البرد , والبطين شدة البرد وبردها قارس وشديد ويتميز بالصقيع وهو الطالع الرابع من فصل الشتاء وبردها أشد من برد المربعانية لأنه يتسم بالجفاف , إلا أن بردها يكون خارج البيوت , أما الأمكنة المغلقة فغالبا لايدخلها البرد، خلافاً للمربعانية.
ومن الحكايات التراثية المتداولــة:
○ وصية المربعانية لولدها، تقول المربعانية وهي راحلة:
(وليدي يا شباط يا مقرقع البيبان…(جمع باب بالعامية)،
أنا مريت ولا ضريت، ما قدرت إلا علىٰ من شبوبه ليف، وأكله دويف).
والدويف: شعير معصود! (أي دقيق الشعير المطبوخ بالسمن عصيدة ً// وهو فقير عادة في العرف الشعبي).
فعليك باللي شبوبه سَمُرَ وأكله تَمُرْ! وفي رواية هبر أي اللحم تعبيراً عن الثراء (1). وصاحبه أثرى بالطبع وأغنى.
وذلك بحسب المعتقدات التراثية، لأن المربعانية لم تستطع أن تضره.
والمربعانية( الأربعينية) هي أربعون يوما الأولى من فصل الشتاء، إذ يقسمه الفلكيون الجذوريون إلى أربعينية وخمسينية (2).
والشبط سمي الشقي؛ لأنه يتعلق بالنوافذ والأبواب (وتلك نشبة على حسب تعبيرهم)! حسب الفكر التراثي!
ويقول العامة:-
(الشبط مبكية الحصني)، والحصني أو الحصيني هو الثعلب، لأنها موسم الرياح الشرقية، والحصيني يجعل فتحة جحره باتجاه الشرق، يريد أشعة الشمس، (فتشخفه) الهابة في الشبط!وكلامنا حسب التعبير التراثي الشعبي المتداول!
تشخفه: أي تمسه الريح الهابّـة،
وقال الليث: الشِّخَافُ -بالكسر-: اللبن باللغة الحِميريَّة.
وقال أبو عمرو: الشَّخْفُ صوت اللبن عند الحلب، يقال: سمعت للدرة شَخْفاً، وأنشد:
كأن صوت شُخْبِها ذي الشَّخْفِ *** كشيش أفعــى في يبيسٍ قفِّ
قال: وبه سُمي اللبن شِخَافاً. والشخب صوت الحَلْب.
والهابّـة: من الجذر(هـ ب ب): الهَبْوةُ الغَبَرَةُ، والهَباءُ الغُبار، والهابّة الريح إذا أثارت الهباء أي الغّـبَـرَة.
وللشبط علامات يستدل بها العامة على دخوله :
- يكثر فيها هبوب الرياح الشمالية الباردة نتيجة تساقط الثلوج على المناطق الشمالية .
- رؤية نوء ( الشول ) فجراً واضحاً وهو من برج العقرب آخر نجوم المربعانية .
- شدة عصف الرياح لذا يقول العامة ( شباط مقرقع البيبان ) كناية عن شدة هبوبه , يقصد العامة بهذا أن الهواء يشتد في الشبط , ويكون غالباً نسري ( مطلع نجم النسر ) فشدة الهواء تجعل الأبواب والنوافذ لها صوت قرقعة , خصوصاً أبواب الخشب القديمة لأنها ضعيفة ومعرضة للهواء , فكانت معظم الأبواب والنوافذ القديمة مصنوعة من الخشب وتطل على الحوش فيكون لها صوت صرير وعواء كعواء الذئب لذلك تسمى ( العواية ).
- تهب فيها الرياح الشرقية الصلفة الباردة , لذا يقول العامة ( الشبط مبكية الحصني ) وسميت بذلك لأن الحصني ( الثعلب ) يحفر جحره ويضع فتحة الجحر للشرق من أجل أن تدفئة أشعة الشمس عند الشروق، لكن الهواء الشرقي البارد الذي يهب في موسم الشبط يلج إلى داخل الجحر فيبكي الحصني من شدة البرد، كما أسلفنا قبل قليل.
- تكون السحب متقطعة وتمر بسرعة.
- صفاء وزرقة السماء غالباً .
- حمرة السماء من البرد , لذا يقول البحارة وهم في وسط البحر ( إذا دخلت الشبط واحمرت السماء هن عند أهلنا مثل أيام الحميمي ) .
ومما تجدر الإشارة إليه أن موسم المربعانية إذا غلب عليها طابع الإعتدال،
يكون له أثر سلبي في النباتات لأن الطقس المعتدل يجعل النباتات تعلو لأعلى فيفاجئها برد الشبط فتموت لعدم أخذها مناعة ضد البرد في المربعانية ، ولأن الطقس إذا كان شديد البرودة في المربعانية فإن النباتات تنزل أسفل فتأصل عروقها في التربة ، فإذا فاجأها البرد كانت قوية الجذور فلا يؤثر فيها البرد ، الأمر الذي جعل الناس يستبشرون في السابق إذا تجمد الماء في موسم المربعانية حفاظاً على مزروعاتهم .
وهناك تغيرملحوظ في نوع الطقس عبر السنين محلياً وعالمياً ويعود ذلك إلى ملوثات البيئة علاوة على دورات الطقس.
من الأمثال الشعبية: شباط إنْ شبَّط وإنْ لبَّط ريحة الصيف فيه.
و: شباط ما على كلامه رباط، والسبب أنه متقلب فلا يستقر طقسه على حال.
و: تدفوا لايشخفكم البرد ،(احرصوا على الدفء كيلا يمسكم برد شباط).
وشباط بعد البحث من أسماء اليهود وما أدري كيف دخل لغتنا؟؟؟
إذ هناك عائلات اسمها شباط في لبنان وسورية وغيرها...
وعائلات سباط بالسين.
وصباط بالصاد تعني الحذاء (بباءٍ مشددة) وهي فارسية على الظن والتوقع !!!
فهل لهذه العائلات علاقة بالجذور التلمودية؟ لا يهمنا.
وجاء في مختار الصحاح:
شَبَطَ :
شَبَطَ في يشبط ، شبْطًا ، فهو شابط ، والمفعول مشبوطٌ فيه :-
• شبط فلان في كذا تعلَّق وأمسك به .
وجاء في معجم اللغة العربية المعاصر:
شَبَّطَ :
شَبَّطَ يُشَبِّط ، تَشْبِيطًا ، فهو مُشَبِّط ، والمفعول مُشَبَّط :-
• شبَّط فلانٌ
1 - تسلَّق مستعينًا بيديه ورجليه .
2 - تمسّك ، تعلّق .
• شبَّط الشَّيءَ في غيره : مَسَّكه ، جعله يعلق به
وقال في العباب الزاخـــر :
الشبوطُ والشبوطُ: -كالقدّوْس-: والقُدّوسِ والسّبْوحِ والسّبُوح والذّروْحِ والذّرّوْحٍ ضرْبُ من السّمك، وزادَ اللّيثُ: دقيقُ الذنبِ عريْضُ الوسِط لينُ المسْ صغيرُ الرّأس كأنهّ البرْبطُ، وإنما يشبهُ البرْبطُ (آلة العود الموسيقية) إذا كان ذا طوْلٍ ليس بِعَريْض بالشبوْطِ، الواحدةُ: شبوْطةّ. وقال أبو عمرَ في ياقوُتةِ الجلْعَمِ: شباطُ وسباطُ: اسمُ شَهْرٍ من الشهورْ بالرّوْميةُ، وقال: يصرفُ ولا يصرفُ. وشبيوْطُ -مثالُ كدْيونٍ-: حْصنّ من أعمالِ أبدَةَ بالأنْدلس (اسبانيا اليوم).
ويرتبط شهر شباط بتزاوج القطط، فتراها تصرخ كثيرا فيه، لذلك يربط عوام الشام بين(شبط) وبين( شبق) استئناسا بفعل القطط، ويقولون عن صراخها في شهر شباط ( شبَّطت) أي أنها تتهيّأ للتزاوج وتدعو إليه!!!
---------------------- هامش:
(1)- والشبوبُ بالفتح: ما توقَدُ به النارُ.
ويقال: هذا شَبَوبٌ لكذا، أي يَزيدُ فيه ويُقَوِّيهِ.
وتقول: شَعَرُها يَشُبُّ لونَها، أي يَظْهِرُهُ يُحَسِّنُهُ.
ويقال للجميل: إنه لمشبوبٌ. قال ذو الرمّة:
إذا الأَرْوَعُ المَشْبوبُ أضْحى كأنّه *** على الرَحْلِ مِمَّا مَنَّهُ السَيْرُ أَحْمَقُ
وذلك أن برد المربعانية لا تضر إلا ضعيفي الحال ممن لا يجدون حطباً جيداً وطعاماً دسماً , أما شباط فلم يترك أحداً، لم يدع غنيّاً ولا فقيرا ً.
فالمقصود بالليف هو لحاء النخل ويستخدم لفلترة القهوة من الشوائب ومعروف أن الليف إذا أشعلت فيه النار فإنه يتآكل بسرعة لخفته ولا يستخدمه للتدفئة إلا ميسورو الحال والأثرياء.
والدويف أكله قديمة يأكلها الفقراء( أسوأ أنواع العصيدة) ويبدو أنها لا تحتوي على سعرات حرارية عالية لتدفئة الجسم أما السمر فنارُه قوية , والتمر أكله يحتوي على سعرات حرارية عالية فيعمل على تدفئة الجسم. .
(2)- ويقسمون الخمسينية إلى أربعة سعود، كلُّ سعدٍ منها قدره الزمني اثنا عشر يومــــــــا ونصف اليوم، وهي :
سعد ذبح
سعد بلع
سعد السعود
سعد الخبايا، في قصة تراثية خرافية يعلمها أهل الريف.