كتاب الإسلام وأصول الحكم
المؤلف/ الشيخ علي عبد الرازق
الكتاب موجَّهٌ إلى الملك، أحمد فؤاد عام 1925 ،
الطبعة الأولى/ إبريل 1925 م
أثار هذا الكتابُ معركة من أكبر المعارك الفكرية في التاريخ المُعاصر.
((حكمنْا نحن، شيخ الجامع الأزهر، بإجماع أربعة وعشرين شيخا، من هيئة كبار العلماء، بإخراج الشيخ، علي عبد الرازق، أحد علماء الجامع الأزهر، والقاضي الشرعي، بمحكمة المنصورة، ومؤلف كتاب، الإسلام وأصول الحُكم، مِن زمرة العلماء، ومحو اسمه من الجامع الأزهر، والمعاهد الأخرى، وطرده من كل وظيفة، وقطع راتبه، وعدم أهليته لكل وظيفة، اعتبارا من تاريخ 12/8/1925، بالتهم التالية، الواردة في كتابه، الإسلام وأصول الحكم:
(جعل الشريعة روحية لا عملية، التشكيك في نظام الحكم في عهد النبي، وكذلك الخلفاء، واعتبار حكومة الخلفاء ليست دينية.)) توقيع اثنين وستين شيخا من شيوخ الأزهر.
يرفض مؤلف الكتاب نظرية الخلافة وأيدلوجيتها كنظرية دينية واجبة، ويرفض تقديسها، أو اعتبارها شرطا رئيسا للإيمان، وهو لا يكتفي بذلك، بل يشير إلى أن استخدام نظرية الخلافة وعقيدتها استخداما سياسيا توظيفيا، من قبل بعض أنصار الحكام هو مِن أبرز مسببات الظلم والقهر، وأن الخلافة بهذا المعنى تَسْلِبَ من الشعوب كرامتَها وعزتها.
يقول الشيخ علي عبد الرازق:
"من يُتابع الخلافة يرَ على كلِّ حلقة من حلقاتها طابعَ القهر، والغلبة، ويتبيَّن أن ذلك الذي يُسمى (عرشا) لا يرتفع إلا على رؤوس البشر، ولا يستقرُّ إلا فوق أعناقهم، وأنَّ الذي يُسمى (تاجا)لا حياة له إلا بما يأخذ من حياة البشر، ولا قوة له، إلا بما يغتال من قوتهم، ولا عظمةَ له، ولا كرامة، إلا بما يسلب من عظمتهم وكرامتهم."
طالب المؤلف أيضا برفض الخضوع لنظام الخليفة، ومقاومة استبداده، ولا سيما مِن المؤمنين، ممن يؤدون العبادات، ويستنكر أن يكون هؤلاء المؤمنون أذلَّة صاغرين، لحاكم من البشر، فهذا يتناقض مع جوهر الإيمان:
"مِن الطبيعي لمن يَدينون بالحريةِ رأيا، ويسلكون مذهبها عملا، ويأنفون الخضوع إلا لله، رب العالمين، كل سبع عشرة مرة على الأقل، في خمسة أوقات الصلاة، مِن الطبيعي في أولئك الأُباة الأحرار أن يأنفوا الخضوع لرجلٍ منهم، أو مِن غيرهم، ذلك الخضوع الذي يطالب به الملوكُ رعيتَهم."
أشار المؤلف الجريء إلى ما ذكره مؤلف كتاب طبائع الاستبداد، ومصارع الفساد، عبد الرحمن الكواكبي، وهو الذي عدَّد العلوم التي يُشجعها المستبدون، والعلوم التي يخشونها، فقال:
"يشجعُ المستبدون "علومُ اللغة، وعلومُ الدين المتعلقة بالآخرة"
والكواكبي يعتبرها عديمةَ الجدوى، لأنها لا تزيل غشاوة الجهل، وتملأ الأدمغةَ غرورا، وهو يستثني من ذلك كلَّ الذين تفيدُهم علومُ اللغة حكمةً وعلما، تنورُهم، وتُبصِّرهم، وتوسّعُ مداركهم.
والمستبدُ، لا يخاف أيضا من العلوم الصناعية، لأن أصحابَها يكونون صغارَ النفوس، مسالمين، يسعون لمصلحتهم الشخصية، ويَسهُل على المستبد شراؤهم!
أما العلومُ المرعبةُ للمستبد، فقد فصَّلها الكواكبي:
"هي علوم الحكمة النظرية، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم، وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية، والتاريخ المفصل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تُكبِّرُ النفوسَ، وتوسِّعُ العقولَ، وتُعرِّفُ الإنسانَ ما هي حقوقُهُ، وكم هو مغبونٌ فيها."
يبدو التأثر واضحا في قول الشيخ، علي عبد الرازق:
"إن علم السياسة هو أخطر العلوم على الملك، بما يكشف من أنواع الحكم، وخصائصه، وأنظمته، لذلك كان على الملوك أن يُعادوه، وأن يسدوا سبيله على الناس"
وهو يكثِّفُ ذلك بجعل الولاة والحكام والخلفاء أعداء للعلوم والأبحاث، نظرا لجهل الحاكم بطبيعة هذه الأبحاث، فهو يظن أنها ربما تُفقِده مُلكه، لذلك فهو يواظب دائما على مطاردة حرية العلوم، وآليات التعليم، مما يُسبب تقهقر الأمة وعدم تحضرها.
إن علم السياسة من أخطر العلوم على الملك، لأنه يُضعف سيطرته، بسبب تفتيح العقول وتنشيطها، فهو يقول:
"من الطبيعي أن يكون الملك عدوا لدودا لكل بحث، ولو كان علميا يتخيَّلُ أنه يمسُّ قواعدَ مُلكه، مِن هنا نشأ الضغطُ الملوكيُ على حرية العلم، واستبداد الملوك ، فعلم السياسة من أخطر العلوم على الملوك، وهذا يُفسِّر قصور النهضة الإسلامية في فروع علم السياسة، مثلما برعوا في علوم أخرى."
يتبـع