لأكثر من عام ونصف العام لا تزال أنجلينا -وهي امرأة في العقد الرابع من العمر- تكافح من أجل تجاوز الآثار النفسية لواقعة اغتصاب تعرضت لها أمام ابنها العشريني.
قصة أنجلينا واحدة من مئات قصص نساء وفتيات تعرضن للاغتصاب على يد قوات الحكومة والمعارضة المسلحة منذ بدء الحرب الأهلية بدولة جنوب السودان يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2013، عقب تفجر الصراع السياسي بين رئيس البلاد سلفاكير ميارديت ونائبه السابق المقال رياك مشار.
رفض الاعتراف
ومؤخرا أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا خاصا عن انتهاكات الاغتصاب التي تعرضت لها النساء في دول العالم، ووصفت حالة جنوب السودان بأنها الأفظع من بين العديد من الانتهاكات التي تحدث في سوريا والسودان وبقية دول العالم التي عاشت مواجهات مسلحة بين الحكومات وحركات معارضة.
وتقول أنجلينا : تعرضت لعمليتي اغتصاب، "الأولى على يد قوات المعارضة المسلحة التي يقودها رياك مشار في مدينة بور، والثانية على يد جندي ينتمي للقوات الحكومية" التي استردت المدينة عقب السقوط الأول على يد المتمردين.
وتوضح "أكثر ما يؤلمني أن جريمة الاغتصاب الأولى ارتكبت أمام ابني وفي كل يوم أصحو أنظر إليه وأشعر بحجم الألم الكبير الذي يشعر به"، وزادت والحسرة تخنقها "لست وحدي، فعلى طول وعرض البلاد قصص عديدة لنساء وفتيات أصبحن سلاحا رئيسيا في حرب اللامعنى التي شهدناها".
ووثقت العديد من المنظمات الإنسانية العاملة في دولة جنوب السودان المئات من القصص لنساء تحدثن عن وقائع اغتصاب تعرضن له على يد جنود موالين للحكومة والمتمردين. وتقول هذه المنظمات وأبرزها منظمة هيومن رايتس ووتش إن الإحصائيات الموجودة لديها هي فقط للائي اخترقن جدار الصمت، وإن المئات من القصص الأخرى لا تزال مكتومة في دواخل نساء قررن الصمت عن هذه الجرائم بسبب عوامل ثقافية.
مدير إدارة الإعلام بجيش دولة جنوب السودان العميد ملاك أيوين رفض القبول بصحة الاتهامات الموجهة للجيش الحكومي بشأن وقائع الاغتصاب المنسوبة لأفراده، وقال للجزيرة نت إن أغلب وقائع الاغتصاب حدثت في مناطق "تقع تحت سيطرة قوات المتمردين الموالية لرياك مشار النائب السابق للرئيس سلفاكير"، منتقدا التقارير الصادرة بشأن وقائع الاغتصاب لأنها لا تتضمن موقف جيشه من هذه الاتهامات التي وصفها بالكاذبة والباطلة.
المحاكم
من جهته لم يشكك المتحدث باسم الحركة الشعبية في المعارضة وليام إيزيكيل في صحة التقارير المشار إليها، لكنه اتهم في حديث للجزيرة نت القوات الحكومية، وقال إن أغلب الانتهاكات المتعلقة بجرائم الاغتصاب حدثت في مناطق نفوذ هذه القوات، وأضاف "لا شك في أن المليشيات التابعة للحكومة هي التي ارتكبت هذه الانتهاكات".
ورغم توقيع طرفي النزاع في دولة جنوب السودان على اتفاق السلام الذي لا يزال تنفيذه قاب قوسين، فإن الشكوك لا تزال سائدة وسط المهتمين بقضايا العدالة بخصوص تقديم مرتكبي جرائم الاغتصاب للمحاكم، خاصة وأن بعض الضحايا يعرفن مغتصبيهن. لكن الموروثات الثقافية تلعب دورا كبيرا في عدم تقدم كثيرات أمام المحاكم.
وفي هذا السياق، قالت أنجلينا دانيال رئيسة منظمة المرأة والإنصاف -التي تعمل في مجال الدفاع عن كافة الجرائم التي تتم ضد النساء والفتيات- إن منظمتها ستعمل عقب تنفيذ طرفي النزاع اتفاق السلام على إثارة قضايا الاغتصاب التي حدثت في المناطق التي سجلت فيها هذه الانتهاكات.
وشددت المتحدثة في تصريحها للجزيرة نت على الحاجة الماسة لمنع إفلات مرتكبي هذه الانتهاكات من العقاب، قائلة "سنثير هذه القضايا من أجل تقديم مرتكبي هذه الجرائم أمام العدالة".