كانت جدتي لأبي تمتطي جملاً وتتنقل بين القبائل بلا محرم, غليونها في فمها وخنجراً تستله اذا ما ظهر لها قاطع طريق أو وحش ضاري, كانت تلقب بالشيخة ويحتفى بها في مجالس الرجال, واحتراماً لها كانت تدعى للمحرم لترتاح من وعثاء السفر, تمهد لصلح, أو زواج، تحترم أينما مرت، يتبعها الخادم على بغلة أحياناً اذا قصدت الخان للتسوق, تتابع العمل في المراعي والمزارع، كلمتها سيف....
هذه هي موروثاتنا الثقافية، كانت الصبايا يلتقين الشباب أحياناً وتحدث قصص من الحب, ويتناثر شعر الغزل، لينتهي بزواج أو مشاكل عائلية، لكنها لاتصل حد القتل، لم يكن الأب أو الشقيق يعنف الفتاة بأكثر من لوم، وقد تتعرض لزواج تعسفي في أسوأ الأحوال، كن يستشعرن معنى أنهن شقائق الرجال، لا سطوة الذكر الذي يقتل لاشتباه عند اتصال من رقم غريب أو رسالة مجهولة في بريد الكتروني يملكون كلمة المرور اليه؛ والتلصص على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها قاصر وان بلغت من العمر عتيا ومن الشهادات العلمية ما يؤهلها لخوض غمار الحياة في الواقع الحقيقي والافتراضي بلا وصاية، حين تتزوج عليها أن تفقد ذاكرتها، والتصريح بفجاجة أن عمرها يبدأ من هذه اللحظة، وعليها أن تتلقب باسم مولودها الذكر، بعد اصطلاح جماعة فلان...
تستقبل في آذار بالورود وأناشيد الاطراء، عبق النوار وشذى الربيع في استهتار فج بالروح، الانسان الذي ينتظر احتراماً وتقديراً للشراكة الفعلية، قبولاً مجتمعياً واعترافاً بأنها سر الحكاية، وبوصلتها... سمعنا من كلمات الاستهجان وعبارات التندر في يوم المرأة العالمي ويوم الأم ما يشي بحجم اعتراف المجتمع بدور النساء، حتى لدى بعض النساء اللائي يستشعرن بنقيصة أن يكن نساء، وأنهن يكتملن برجل، ولا يعترفن بأنهن شريكات لا تابع ناقص... اقترحت مبادرة أن تمضي النساء في يوم عطلة، تترك النساء كافة المواقع، ربة المنزل، والعاملة_ التي هي بدورها ربة بيت_ دون أن يقمن بشيء من مهامهن اليومية، يستيقظن من النوم وينسحبن من مواقعهن دون أن يعددن قهوة الصباح، أو يجهزن طفلاً لحضانة أو مدرسة، يوم المرأة بعيداً عن كل مهامها الانجابية والتنموية، ماذا سيحدث ؟! ستتعطل الحياة، في حين لن تتعطل بخروج الذكور لأنهم ببساطة يلقون تبعات كل أمور الحياة على النساء، ورغم ذلك لا يعترفون بأنهن شريكات، شريكات يقع على عاتقهن الحمل الأكبر بدءاً من تحمل مزاجية وعنجهية الشريك، انتهاءً بالتمكين الاقتصادي للرقي بالحياة ومواكبة حضارة, تتوقف عند حاجات النساء؛ ليطل علينا مثقفون بسؤال "ماذا تريد النساء؟!، يتعلمن ويعملن ووصلن لدرجة علمية وعملية عالية" تحتاج النساء الاعتراف والقبول بكونها انسان كامل الأهلية، روح قد تتمرد وقد تسير مع القطيع، انسان مكلف له ما له وعليه ما عليه بلا وصاية، انسان له الحق في الطموح والسعي لتحقيق طموحه، روح ترنو للحياة بلا قيود مفروضة على خلفية انتقاص من أهليتها، خلقت من ضلعه لتكون بجواره، مكلفة مثله، تحتضن بذرة الحياة في مرحلة التكوين؛ لتكمل نشئ، و مضفية من روحها وسماتها على أجيال متلاحقة، تحمل تبعات الحياة بشراكة حقيقة وقبول صادق.