تحت ذلك السقف اجتمعت قصص لسيدات عانين الكثير من الإهانات والتعنيف من أزواجهن، الأمر الذي انعكس سلباً على نفسية أطفالهن وحوّل حياتهن لجحيم.
قررن وبعد صبر سنوات أن يتخذن خطوة اعتبرنها مفصلية، هربن من منازل الزوجية وأخيراً إلى مركز الإيواء الذي فُتح حديثاً في تونس لاستقبال عشرات من النساء وأطفالهن ضحايا العنف الأسري والإهمال، ليكون بمثابة ملجأ لهن وفضاء لحمايتهن مادياً ونفسياً من عنف الزوج وقسوة المجتمع.
إحاطة مادية ونفسية
هذا الفضاء الذي افتتح منذ أسابيع بالتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للمرأة وأطلق عليه اسم "تمكين" يُعد أول مركز إيواء نموذجي للنساء ضحايا العنف والإهمال في تونس.
وهو كما تحدثنا عنه السيدة هالة بن يحمد، المكلفة بالاستقبال والإنصات، ثمرة شراكة بين وزارة المرأة التونسية والأسرة ومكونات من المجتمع المدني، أبرزها جمعية "النساء التونسيات للبحث حول التنمية".
وتضيف: "المركز يضم 35 سريراً للنساء وأطفالهن، وقد بُني على مساحة شاسعة وفي أرض زراعية بعيدة عن ضوضاء العاصمة، حيث يتيح للنساء الإقامة بشكل مريح، كما تتوافر به كافة المرافق الحياتية الضرورية مع وجود إحاطة طبية ونفسية مكونة من فريق طبي ومختصين في الطب النفسي".
وتشدد بن يحمد على أن الإقامة في هذا المكان لا تهدف فقط إلى النوم والأكل بل يعكف القائمون عليه على إعادة بناء شخصية النساء المعنفات وتحفيزهن على عودة الثقة بمهاراتهن والعمل على استقلاليتهن الذاتية من خلال خلق موارد رزق جديدة عبر تعليمهن أنشطة ومهارات يدوية أو زراعية حتى يستطعن بعد ذلك الاعتماد على أنفسهن.
وتنقسم نوعية الإقامة في هذا الملجأ إلى نوعين: مدة إقامة قصيرة وتتعلق بالحالات الاستعجالية للنساء وأطفالهن الذين لا يجدون مكاناً يلجأون إليه أو ترفضهن أسرهن في كثير من الأحيان فيتم استقبالهن داخل المركز لحين تسوية أوضاعهن، أما النوع الثاني فيتعلق بإقامة طويلة الأمد داخل المركز وهي تخصّ النساء اللاتي لا يملكن أي سند عائلي مطلقاً.
سرية تامة بهدف الحماية
ويحرص العاملون في الملجأ على طابع السرية والتكتم حول مكان تواجده، وذلك بهدف حماية المرأة المعنفة، حيث يتم في مرحلة أولى استقبال النساء والإنصات لمشاكلهن حالة بحالة في فضاء "تناصف" التابع لجمعية نساء تونس ثم تحويلهن إلى مركز الإيواء.
كما وضعت الجهات المسؤولة أرقاماً لتقبل شكاوى وطلبات النساء اللاتي يرغبن في الإقامة بهذا المركز، لتتم بعدها مرحلة استكمال الإجراءات القانونية والإدارية.
وكانت تقارير رسمية صادرة عن وزارة المرأة في تونس أظهرت أن نحو 50% من النساء التونسيات تعرضن للعنف بكل أنواعه (الجسدي والجنسي والمعنوي)، وأن امرأة من اثنتين تعرضت للعنف في تونس.
فيما أظهرت نتائج دراسة صادرة عن مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" تتعلق بـ"العنف المبنيّ على النوع الاجتماعي بالفضاء العام بتونس"، أن العنف النفسي - سواء بالشتم أو التقليل من مكانة المرأة - يعد في مقدمة أشكال العنف المسلط على المرأة التونسية يليه العنف الجنسي سواء بالأفعال أو الأقوال ذات الإيحاءات الجنسية، ثم أخيراً العنف الجسدي.
كما أظهرت الدراسة ذاتها أن غالبية النساء اللاتي تعرضن للعنف بشتى أنواعه يحجمون عن رفع شكاوى ضد المتحرش أو القائم بالفعل عليهن، وذلك إما خوفاً أو خجلاً من نظرة المجتمع لهن رغم أنهن ضحايا.