نتهت ستة أشهر من الجدل السياسي والقانون وحسم الأمر في مصر، وهاهم الملايين من المصريين يصطفون أمام مراكز التصويت للإدلاء برأيهم في الدستور الجديد، دستور يولد بعد مخاض عسير شابه الكثير من الجدل، وظل يحذف منه ويزاد عليه حتى آخر لحظة قبل تسليمه.
وبغض النظر عما رافق الدستور الجديد من جدل قانوني وسياسي وحقوقي، وما يرافقه اليوم من مساع للمقاطعة ودعوات المشاركة، إلا أن واقع الأمر يقول إن بابا لجمهورية جديدة في مصر قد فتح اليوم، على أمل أن يكون بفتحه ستغلق أبواب الفوضى والخراب التي عاشتها مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير.
والممتبع للدستور الجديد منذ تشكيل لجنة الحكماء الخمسين وحتى التصويت عليه اليوم، لا يستطيع إغفال مساعي كل فئة في المجتمع المصري لضمان أن تثبت حقوقها بنص دستوري يكون المرجع لكل القوانين التنفيذية التي ستصدر لاحقا، وبقدر ما كانت كل فئة أكثر إلحاحا في المطالبة بحفظ حقوقها بقدر ما كانت مكانتها في الدستور الجديد أكثر سعة وصونا، وهنا يهمنا تسليط الضوء على مكانة المرأة المصرية في الدستور الجديد، حيث إن حقوق المرأة تكون عادة هي الأكثر عرضة للانتهاك، في ظل سيطرة الرجل المفروضة اجتماعيا وسياسيا، وحتى قانونيا في بعض الأحياء، وتخاذل كثير من النساء عن الإصرار في المطالبة بحقوقهن، واكتفائنهن بما يجود به رجل غالبا ما يحبذ الاستحواذ على كل شيء، وتجنب ما ينقص من صلاحياته، أو يعطي المرأة ما يجعلها ندا له.
وإذا كان المجلس القومي للمرأة يرى أن الدستور الجديد قدم أكثر من عشرين مادة تصب في صالح الرفع من شأن المرأة المصرية، ولعل أهمها أنه نص لأول مرة على حق المرأة المصرية في منح الجنسية لأنبائها،واعتبار التمييز ضد المرأة جريمة يعاقب عليها القانون، إلا أن نضال النساء المصريات لا يجب أن يتوقف ولا أن يكتفي بما حصلن عليه في الدستور، ومواصلة النضال لنيل حقوقهن كاملة غير منقوصة، بحيث لا يكون هناك داع لسن قوانين خاصة بهن.
ففي مجتمع تشكل فيه النساء نسبة تتجاوز الخمسين في المائة، لا ينبغى أن يبقى حضورهن مقتصرا على نسبة تحددها القوانين، فلو لم يصوت أي رجل في هذا الاستفتاء فإن النساء وحدهن قادرات على إقرار هذا الدستور من دون الحاجة إلى تصويت الرجال، وهذا يعني أن حكومة أو مجلس شعب أو حتى مجلسا عاليا لأي مؤسسة تكون فيه نسبة النساء أقل من خمسين في المائة، فإن هناك رجلا ما استحوذ على مكان كان للمرأة الحق في أن تشغله.
المعطيات تؤكد أن الدستور سيكون بعد يومين ساري المفعول، وهذا يعني أن مرحلة من نضال المرأة المصرية طويت صفحتها، وهنا لا يجوز أن تجلس النساء، بل إن معركة انتهت، غير أن معارك أخرى ما زال على النساء المصريات خوضها .. ضد التمييز وضد التحرش ، وضد العنف، وضد الوصاية، وضد النظرة الدونية، وضد العادات البالية، وضد كل ما ينزل المرأة عن مكانتها التي تستحق.