قيادة الطائرات وسيارات الأجرة والمترو والقطارات والحافلات، والميكانيك والكهرباء والسباكة وحتى الغوص والصيد البحري وغيرها من المهن التي كانت في وقت سابق حكراً على الرجال في تونس باتت اليوم مفتوحة أمام النساء التونسيات أيضاً.
ورغم العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانت تسيطر على المجتمع التونسي، عموماً، والتي ظلّت لفترة عائقاً في وجوه النساء فقد تولت المرأة التونسية عن جدارة جلَّ الوظائف والمهن؛ ما جعل نسبة الطبيبات والقاضيات والمحاميات والمدرسات في الجامعات والصيدلانيات والصحافيات تكاد توازي نسبة الرجال، وتفوقها في بعض المهن الأخرى.
واللافت للانتباه أن نساء تونسيات كثيرات أثبتن الذات وتحدين كل ظروف الحياة واقتحمن مجالات عمل كانت في أصلها مهناً “رجالية”، إن جازت التسمية، كما وضع الرجال علامات منع وقائمة سوداء للمهن التي كانوا يرفضون اقتحامها من قبل نسائهم أو بناتهم أو شقيقاتهم وصنفوها في قاموسهم بأنها “غير لائقة” مثل؛ عارضات الأزياء وموظفات الاستقبال، ونادلات المقاهي والمطاعم والشرطيات والعسكريات والغطس والغوص للصيد البحري وجني الزيتون ورعي الأغنام وغيرها.
التونسيات كسرن الحاجز
النساء التونسيات كسرن الحاجز الزجاجي الذي حصرهن في الاشتغال بمهن بعينها غالباً ما تكون تنظيف البيوت أو صناعة وبيع الحلوى والمرطبات أو رعاية الأطفال والحلاقة والتجميل للنساء، وفق رأي المواطن منصور فتح الله الذي يقول إنهن أكّدن قدرتهن على العمل في كل المهن التي أثبتت التجارب أنها ليست خاصة بالرجل.
وتابع فتح الله أن المرأة التونسية وعلى مر السنين عملت في جلَّ الوظائف والمهن وأثبتت نفسها ونجحت، منوهاً إلى أن عمل المرأة في بعض المهن “الرجالية” أصبح عادياً، لافتاً إلى أن “الفضول دائمًا في البدايات يهز الناس لكن مع مرور الزمن يعتاد المجتمع الأمر ويألفه”.
ومن وجهة نظر علم الاجتماع أكدت الباحثة زهرة بن حمادة لـ “إرم نيوز” أن بعض أطراف المجتمع كان ينظر للمرأة ككائن رقيق وذي بنية ضعيفة لا تتناسب معها المهن الصعبة التي كان يتحملها الرجل بمفرده، مثل؛ الرفع وحمل الأثقال أو الأعمال التي تعتبر شاقة وتتطلب الساعات الطوال؛ ما يؤثر على المرأة جسمياً ونفسياً وبيولوجياً خاصة وهي التي تتحمل أعباء المنزل من تربية الأطفال والطبخ والغسل والتنظيف وترتيب البيوت وغيرها.
وأضافت حمادة أن النظرة في تونس بالذات تغيرت تماماً منذ أعوام بعد إثبات المرأة التونسية جدارتها في كل المهن تقريباً، بل وفاقت الرجل أحياناً، وذلك بشهادة المسؤولين والخبراء وحتى أصحاب المؤسسات، مبرزة أن الشارع التونسي لم يعد يستغرب رؤية نساء بزيّ الشرطية أو العسكرية أو قائدات الطائرات.
اتهام بالتسبب في بطالة الرجال
تختلف آراء التونسيين وتتباين من فئة إلى أخرى حول عمل النساء عامة وفي المهن التي كانت حكراً على الرجال فقط؛ حيث أكد محمد سعيداني، الناشط في حركة النهضة الإسلامية، أن عمل النساء هو السبب الرئيس في تراكمات ظاهرة البطالة المتفشية بشكل كبير في تونس والتي تتسبب من حين لآخر في مشاكل أصبحت البلاد لا تستطيع استيعابها “أصبحت المرأة التونسية تنافس الرجل في كل شيء دون الإدراك أنها امرأة؛ أي زوجة وبنت وأخت، ومن المفروض أن تعرف أن هناك عوامل بيولوجية وفيزيولية قد تتأثر بهما مثل فترات الحمل والولادة وأخرى للدورة الشهرية”، بحسب تعبيره.
في المقابل يرى الدكتور عادل المريسي، وهو من العلمانيين الناشطين في المجتمع المدني، أن العمل مسؤولية وقيمة اجتماعية تحقق للفرد شخصيته ومكانته ودوره وتأثيره في العملية الاقتصادية باعتباره مورداً بشرياً وعنصر إنتاج لا يقتصر على جنس دون آخر، ولذلك خرجت المرأة إلى العمل باعتبارها تمثل نصف المجتمع وهي تفعّل إمكانياتها ومواهبها التي تملكها سواء الموهوبة أو المكتسبة علمياً ومهنياً لتثبت الأهلية في قبول الأعمال التي امتهنتها من الأعمال الإدارية والعلمية والأكاديمية والحرفية والصناعية والزراعية والاجتماعية والخدمية وغيرها خاصة أن ظاهرة عمل النساء في تونس ليست جديدة؛ بعد حصول التونسية على حقوقها كاملة منذ حوالي ستين عاماً، وتنصيص قوانين تهم منح الفرص أمامها.