كثير من مشاكلنا الحياتية البينية هي نتاج الاختلاف الطبيعي والتنوع الثري الذي أوجده الله في كل نفس بشرية، ولولا هذه الاختلافات لباتت الحياة مضجرة وأكثر روتينية وبلون واحد، دون شك إن تنوع المهام والانشغالات والأعمال، منح المساحة لكل إنسان والفرصة بأن يعمل وينجز ويقدم ما بوسعه، بمعنى أن الساحة مفتوحة والمجال أمامك للتقدم والإنجاز.
أعود لنقطة محورية هامة تتعلق بتعاملنا مع بعضنا البعض، هذا التعامل الذي في أحيان يكسوه الجمود، وفي أحيان أخرى تتلبسه حالات من الخصام والغضب، وفي أحيان تكون تعاملاتنا غير ناضجة بسبب عدم فهم كل طرف للآخر.
هذا واقع كوننا خلال تعاملنا مع بعض الناس، قد نسيء فهمهم، ونقوم ببناء أحكام قد تكون قاسية، وغير مبررة ضدهم، بل إن البعض منا يقرر وهو في فورة الغضب المقاطعة أو الدخول في نزاع، بينما قد يكون الطرف الآخر بعيد تماماً عن معرفة لماذا كل هذا الخصام ؟ أو لا يعلم أصلاً أن لديك سوء فهم تجاهه.
والذي يحدث أن الهوة بين الطرفين تزداد، والتوتر ينمو، ليس هذا وحسب، بل قد تكون للطرف الآخر فيما بعد ردة فعل ضد تصرفاتك، فهنا يكون الخصام قد بلغ ذروته، ولن يحل إلا بتدخل طرف ثالث يوضح للجانبين تسلسل ما حدث بينهما، والغريب أنه في كثير من الحالات بعد أن يعرف الطرفان تسلسل الأحداث يدخلان في صفاء وود، واعتذارات متبادلة.
المطلوب منا جميعاً تقديم مبدأ حسن الظن، وأن يكون هذا دوماً عادتنا وسلوكنا، ثم السؤال ومحاولة التقصي والفهم الصحيح لأي موضوع وعدم ترك الأمور تمضي دون تمحيص وتدقيق.
في هذا السياق أستحضر كلمة بليغة للدكتور جيفري لانج، وهو بروفيسور الرياضيات في جامعة كنساس، قال فيها: "أنا لا أفهم البشرية فكرياً، بل أفهمها من خلال كوني بشرا".
وأعتقد أن في بلاغة هذه الكلمة ما يبرر أي محاولة للتقصي والتأكد من أي طرف يشاركنا سواء العمل أو الشارع أو الجوار أو حتى من يسكنون معنا داخل البيت من أفراد أسرنا، محاولة فهمهم والتأكد، ولا بأس حتى بدراسة سلوك كل فرد، ومعرفة جوانب من شخصيته، لأن في مثل هذه الدراسة فائدة كبير، في فهمك لكثير من سلوكياته وتصرفاته.
المطلوب في نهاية المطاف، هو أن يحاول كل منا فهم الآخرين، لأن في هذا الفهم تجاوزاً لكثير من العقبات والمشاكل التي أنت في غنى تام عنها.