شكلت النهضة العمانية مع بداية السبعينات منعطفا حاسما في تاريخ البلاد الحضاري، نظرا لما حملته في طياتها من تغييرات جذرية على مختلف الأصعدة، غيرت ملامح الحياة في السلطنة، وجعلتها تتبوأ مكانة بارزة على المستويين الإقليمي والدولي. ومن أبرز هذه التغييرات تلك المتعلقة بواقع المرأة العمانية التي دخلت الحياة العامة، مساهمة ومشاركة وفاعلة في كافة جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية…، بفضل الأيادي البيضاء للنهضة التي امتدت إليها، فألبستها ثوبا جديدا جعلها تشع بالعطاء، وتسهم في بناء صرح التنمية جنبا إلى جنب مع الرجل، محققة إنجازات محلية وعالمية، وبخاصة مع الانفتاح الذي شهدته السلطنة في السنوات الأخيرة. ولامندوحة لنا في هذا المقام من الإشادة بما كان لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – من يد طولى في فك القيود المضروبة حولها لقرون عديدة، والدفع بوضعها إلى موقع أفضل وحياة أرقى، في إطار يتماشى مع قيم المجتمع ومعتقداته، إيمانا من جلالته بأنه لا يمكن تحقيق التنمية الإنسانية بمنأى عنها، وحرصا منه على إقامة دولة تجمع بين خصوصياتها الثقافية ومستلزمات العصر. وهكذا أعطى المرأة حقها، ووافاها وفقها، ضمن المشاريع والبرامج الهادفة إلى الرقي بالمجتمع، ومنحها الحقوق الكفيلة بتمكينها من القيام بدورها المميز لخدمة وطنها. وحسبنا دليلا على ذلك قول جلالته: «إننا ندعو المرأة العمانية في كل مكان، في القرية والمدينة، في الحضر والبادية، في السهل والجبل.. أن تشمر عن ساعد الجد، وأن تسهم في حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كل حسب قدرتها وطاقتها، وخبرتها ومهارتها، وموقعها في المجتمع. فالوطن بحاجة إلى كل السواعد من أجل مواصلة مسيرة التقدم والنماء، والاستقرار والرخاء… إننا ننادي المرأة العمانية من فوق هذا المنبر لتقوم بدورها الحيوي في المجتمع. ونحن على يقين تام من أنها سوف تلبي النداء».
وتواصلا مع التوجيهات السامية، انخرطت المرأة في سلك التنمية، ومضت في رحابها محققة إنجازات غير مسبوقة في مختلف مجالات الحياة. ففي المجال السياسي حققت المرأة العمانية قفزات نوعية في الحياة النيابية ومواقف اتخاذ القرار، وتبوأت مناصب قيادية عليا؛ كوزيرة، وسفيرة، ووكيلة وزارة، ورئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية. كما حظيت بعضوية مجلس الدولة ومجلس الشورى. فازدان جيد السلطنة بعقود وجواهر نسائية لامعة وشقت المرأة العمانية طريقها في السلك القضائي على أعلى المستويات، فحظيت بمنصب مديرة للادعاء العام. وكانت جليلة بنت سليمان بن خلفان الرواحية أول امرأة عمانية تتولى هذا المنصب الرفيع. كما يتم سنويا تعيين كوادر نسائية في ميدان العمل القضائي كمعاونات للادعاء العام. وقد كان لوصول المرأة العمانية لهذا المنصب تأثير إيجابي في مختلف الدول الخليجية الأخرى، إذ سلكت هي أيضا المسلك نفسه.
وجدَت المرأة العمانية سيرا، ونشطت وجودا في المجال الاقتصادي، فانخرطت في الوظائف العمومية المختلفة، واشتغلت في مجال الخدمات، وقطاع الإنتاج الصناعي، والتجاري، والزراعي، والحرفي. وأثبتت كفاءتها وقدراتها في كافة الأعمال، بفضل جهود الدولة التي وفرت للمرأة شتى أنواع التعليم والتأهيل والتدريب. وتزايد دور المرأة العمانية في المجال الاقتصادي من خلال الدور البارز لصاحبة الأعمال. وقد حصد العديد منهن جوائز وطنية وعالمية، مثل صاحبة الأعمال «مريم بلحاف» التي فازت بجائزة السلطان قابوس، وجائزة « الدعم الحمائي للمبادرات الفردية». وتم اختيار «لجينة الزعابية» سنة 2006م من قبل مجلة «أموال» الفرنسية ضمن أفضل 18 أمرأة من بين صاحبات الأعمال الرائدات اللاتي يرسمن خريطة الأعمال في منطقة الخليج.
وإذا انتقلنا إلى الجانب الاجتماعي، ألفينا المرأة العمانية تسهم بنصيب وافر في تعزيز الجهود التنموية على مستوى الأسرة والمجتمع منذ بداية النهضة. ويأتي إنشاء جمعيات المرأة العمانية شاهدا على مدى الجهود التطوعية التي تبذلها المرأة في سبيل النهوض بالمجتمع العماني. حيث تأسست أول جمعية نسائية بإسم «جمعية المرأة العمانية» بمسقط سنة 1972م، وتلاها تأسيس جمعيات أخرى في مختلف محافظات السلطنة. وقد كان لهذه الجمعيات دور مهم في نشر الوعي الاجتماعي والثقافي في البلاد، وتعليم المرأة بعض الصناعات، ومساعدتها على زيادة دخل الأسرة اقتصاديا واجتماعيا، هذا فضلا عن إسهامها بفعالية في محو الأمية.
ولم تتخلف المرأة عن مواكبة مسيرة الإعلام العماني، بل انخرطت فيه بمختلف وسائله المسموعة والمرئية والمطبوعة، فشغلت مناصب إعلامية قيادية مختلفة، في إذاعة سلطنة عمان، وتلفزيون سلطنة عمان، وفي العديد من المؤسسات الصحفية المختلفة.
وولجت المرأة أبواب الساحة الثقافية مستهدية بما وصلت إليه من مستوى عال من الثقافة والتعليم. فبرزت في مجالات عديدة، كالشعر، والأدب، والفن بمختلف أنواعه؛ كالفن التشكيلي وفن التصوير الضوئي. وشاركت في محافل ومسابقات محلية وعالمية محققة إنجازات باهرة، تشهد على عبقرية المرأة العمانية، وتعدد مواهبها التي كان لجلالة السلطان قابوس القدح المعلى في تفتقها.
وجالت الفتاة العمانية في المجال الرياضي، وحلقت في آفاقه، لتمارس أنواعا مختلفة من الرياضات، مثل: كرة القدم، وألعاب القوى، وكرة السلة، والتنس الرياضي، والكاراتيه، والتايكواندو، والقوارب الشراعية، والفروسية.. وشاركت في العديد من الأنشطة والفعاليات الرياضية المحلية والعالمية، مع المحافظة على العادات والتقاليد العمانية.
وحققت العديد من الإنجازات، ووصلت نتائجها منصات التتويج.
وجملة القول، فالنهضة المباركة طوقت جيد المرأة العمانية بمنن لا تنسى، ومكرمات لا تحصى. فبفضلها حققت المرأة إنجازات عظيمة في شتى الميادين.
وأسهمت في النهوض بالبلاد والمشاركة في حراك التغيير والتنمية. وقد كان التكريم الذي حظيت به في المحافل الوطنية والدولية خير شاهد على بصمتها المشرقة في إضاءة اسم عمان. وما تزال تواصل تألقها في ظل قيادة حكيمة واعية، تعتبر المرأة جزءا أساسيا من الثروة البشرية التي يجب استثمار طاقاتها في مسيرة تنموية مستمرة تواكب الحاضر وتستشرف المستقبل.