الأديبة والكاتبة الصحفية: أمان السيد - سوريا - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "
ماذا سيكتب سوري عن بلاده التي تتهالك رويدا رويدا أمام العيون التي لا ترف لها جفون.. ماذا ستضيف كلمات تصدر عن إنسان عادي لا حيلة له ولا قوة يعرف تماما أنه عاجز، وأن من سيمر بتلك الكلمات قد يقرؤها، وقد لا تعنيه، إذ قد وثق أن أسواق الكلام باتت تفيض وتفيض بما لا يجدي..
يتحدثون عن تقسيم سورية ويحذر الواعون والوطنيون منه، وحتى المؤيدون لأنهم يدركون ماذا يعني حقيقة أن تتحول الأرض السورية إلى دويلات متفرقة في نسيج سوري حميم لا يمكن أن يفصل مطلقا في الواقع، ولكن يغيب عنهم أن سورية بالفعل قد قسمت حين جعلت بعض المدن كرات مشتعلة تحت لهيب الحرب، وبراميلها التي يتفنن المجرمون في صنعها من أموال الشعب السوري وأقواته ليقتلوه بها، وجعلت بعض المدن بمنأى من الحرب- وإن كان ذلك إلى أمد لن يطول- ومن البراميل ومن طائرات الروس وإجرام القوات الدولية التي تحالفت على تشويه الخارطة السورية بادعاء سحق الإرهاب الذي يتداولونه مبررات ليست في الحقيقة إلا كذبا ورياء، لأن الشمس لا تحجب مهما حاولوا، ويحاولون.. الإرهاب الذي سيزداد وسيستشري يوما بعد يوم باستشراء الظلم والألم في النفوس..
مسلسل الفظائع اليوم يكرّ فيما يجري لحلب المدينة التاريخية والصناعية والاقتصادية، حلب الشهباء، حلب الحمدانيين، حلب سيف الدولة وأبي فراس التي تتحول اليوم إلى مكب للسخط، وللكفر، ولانعدام الإنسانية في قلوب من يتحالفون على قصفها من قوات النظام إلى اجتماع رموز الشرمن الروس والأمريكان، وغيرهم، وسكوت دول عربية تنأى بنفسها عن شجب ما يحدث رغم أن الجرح العربي يفترض به أن يكون واحدا..
سورية المنتهكة التي تعاني من التقسيم بين الأخ وأخيه، وبين العائلة والعائلة التي تربطها بالأخرى صلات قرابة أو صداقة، سورية التي يقتل فيها الأخ أخاه حين يساق إلى التجنيد قسرا، أو برغبته حين يغيب تفكيره تحت عنوان حماية الوطن من الإرهاب والسطوة الخارجية عليه.. تلك السطوة الغارق فيها حتى شحمة أذنيه..
سورية التي لم يتبق فيها حجر يتنفس الحياة تتعاون قوى الشر والإجرام عليها في كل ثانية، فالمشافي التي أعدت لمساعدة البشر تسقط بأطبائها الذين نذروا نفوسهم لتطبيب الملتجئين إليها من المصابين والمتضررين.
مشاهد الإجرام تلك التي يؤكد الكثيرون أنها لم تحدث لا في الحربين العالميتين، ولا تحت أي مسمى للحروب مرت بها البشرية في تاريخها..
يحدث في سورية أن المفترض بهم أشقاء يقتلون بعضهم تحت قبضة متسلطة مستقوية حاكمة.. يحدث في حلب أن أسرا بأكملها تسحق تحت ما تلقيه الطائرات من القذائف تحت شعار "صنع في سورية".
يحدث في حلب أن ينعى الأطفال أشقاءهم بكلام لا يصدر إلا عن الكبار عادة، يحدث في سورية وفي حلب أن أطفالا بين الرابعة والسادسة من أعمارهم يجتمعون متلاحمين سادين آذانهم فزعا من دوي السماء التي تقصفهم بلا رحمة، وعيونهم تنطق بالخوف والرعب وبالحيرة..
يحدث في سورية، وفي حلب أن تسحب جثث لرؤوس بلا أجسادها، أو بأجسادها المهشمة من تحت ركام المنازل التي يعرف عن السوريين أنهم اكتروها بأعمارهم، وبشقائهم بالأقساط وبالحرمان بينما المتسلطون يرتعون في القصور، وتفيض البنوك العالمية بأموال سرقوها من عرق الشعب السوري وخيرات حرموه منها، ويحميهم العالم الذي يدعي الحرية ببساطة..
يحدث في سورية، وفي حلب أن يستمر إلقاء القنابل والمتفجرات على البشر الآمنين لأيام لا تعرف لها خواتيم، إجرام يأتي من فوق، أي قريبا من الله الذي لا يعرفونه، فمن عرف الله عرف الرحمة وعرف أن للحساب وقتا، وأن للفظاعات عمرا..
ماذا يمكن أن يكتب سوري في سورية التي يحملها أينما يحل ويرتحل، كل الكلمات تسقط سخيفة أمام أهوال المشاهد، والفظائع التي تتكاثر على الأرض السورية الصامدة وحيدة كامرأة حرة.. نعم.. فأمثالي عاجزون إلا عن الكتابة، والدعاء، لكن الله لا يعجزه أن يأتي بالخلاص متى أراد، وينصر الشعوب المظلومة.