مارسيا لينكس كويلي ترجمة: خالد سلامة - " وكالة أخبار المرأة "
حقق الروائي العراقي، علي بدر، شهرة أدبية كروائي في مجال الأدب الفلسفي. وقد تُرجمت أعماله إلى عدة لغات أجنبية. وشكلت روايته الثانية عشر، "الكافرة"، قطيعة مع أعمال السابقة. مارسيا لينكس كويلي تسلط الضوء لموقع قنطرة على الجديد في هذه الرواية.
تتمحور رواية "الكافرة" للعراقي علي بدر حول المرأة، مما يمثل قطيعة مع أعماله "الذكورية" السابقة، بحسب تعبير علي.
بدأ علي، المولود في بغداد عام 1979، مسيرته الفنية بالكتابة والتمثيل في كل من المسرح والسينما. وقد جاءت باكورة رواياته، "بابا سارتر"(2001)، في لحظة كانت تشهد تغيرات سياسية في العراق وعموم المنطقة. ومنذ ذلك الوقت نشر علي بوتيرة مستمرة رواياته التي تجمع بين المواضيع الفلسفية والتاريخية. وتتمحور أعماله تلك حول حيوات ذكور موسيقيين وفنانيين ومثقفين. "عند الكتابة ركزت على التحولات، التي تشهدها المجتمعات، تحت ضغط التاريخ"، على حد تعبير علي.
لم تتأخر شهرة علي والاعتراف به كروائي كثيراً؛ فقد نال جائزة الدولة العراقية للأدب عام 2002 عن رواية "بابا سارتر". كما نالت رواياته الأخرى استحسان القراء والنقاد على حد السواء. وفازت روايتان له،"حارس التبغ" و"ملوك الرمال"، بالتصنيف في القائمة الطويلة لأهم جائزة للرواية العربية، الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربي) في عامي 2009 و2010 على التوالي. وتُرجمت رواية "حارس التبغ" للغتين الإنكليزية والفرنسية. في عام 2011 وبعد أن فرغ من كتابة رواية "أساتذة الوهم" اتخذ علي قراراً أنه لا يمكنه الاستمرار بكتابة نفس النوع من الراويات كما في السابق.
تحرير المرأة في قلب أعماله الجديدة
يقول علي: "لم يتغير أسلوبي فقط بعد عام 2011، بل أفكاري عن التغير الاجتماعي-السياسي أيضاً. بعد ما أعقب الربيع العربي رأيت أن الاصلاحات الديمقراطية لم تعد كافية". تحول مركز اهتمامه من آليات الإصلاح السياسي إلى الثورة الاجتماعية. "في مركز الثورة الاجتماعية تحرير المرأة"، يقول علي. آنذاك كان عام 2014 قد حلّ وكان علي يقيم في مخيم للاجئين في بلجيكا عندما التقى سيدة عراقية في خمّارة. بعدها اكتشف علي أن السيدة تقيم في مخيم للاجئين أيضا. وقد ألهمت قصة حياتها علي في كتابة "الكافرة". في البداية كتب القصة كسيناريو لفيلم. غير أنه اختلف مع المخرج الألماني، الذي كان ينوي إخراج القصة كفيلم إغراء، وهو عكس ما كان يريده علي تماماً. بعد ذلك عمل علي في مسرح وأعاد كتابة القصة كمسرحية لتُمثل على خشبة المسرح.
قُدمت النسخة الفرنسية من المسرحية في العام المنصرم تحت عنوان "عندما تحولت فاطمة إلى صوفيا" ولقيت نجاحاً. وقد قُدم العرض الافتتاحي في اليوم العالمي للمرأة بحضور 500 متفرج. وفي هذا الوقت عمل علي على كتابة القصة كرواية وباللغة العربية.
صوت جديد، وأسلوب جديد
"تمثل الكافرة قطيعة كبرى مع أعمالي السابقة، وهذا يعود جزئياً إلى أني كتبتها بصوت المتكلم الذي هو امرأة. في الماضي لم أتمكن من فعل ذلك"، يشرح علي. فليس المحتوى وحده هو ما يجعل الرواية مختلفة. "الكتابة بصوت المرأة أَثَّرَ على إسلوبي"، يتابع علي. في أعماله السابقة وضع حدوداً فاصلة بين الشعر والخيال، واستبعد اللغة الشعرية. وبمقابل ذلك، فإن "الكافرة" مكتوبة بشاعرية أكبر وبلغة شعرية. عداك عن أنها تركز على تفاصيل الحياة اليومية.
بقي قُرّاء علي أوفياء له. فقد نفدَت الطبعة الأولى من "الكافرة" بعد صدورها بشهرين وطُبعت الرواية طبعة ثانية من 5000 نسخة. كما تلقى النقاد الرواية باهتمام كبير؛ فقد نُشر في وسائل الإعلام أكثر من عشرين مقالاً عنها. يعترف علي أن معظم كاتبي هذه المقالات من الرجال، إلا أنه يقول إن معظم القراء العاديين هم من النساء. ففي معرض الكتاب الأخير في الدار البيضاء في المغرب شكلت النساء أغلبية من اقتنى كتابه. "في البداية أثار عنوان الكتاب اهتمامهن، فاشترينه. ثم جاء بعضهن بعد بضعة أيام للحديث عن الكتاب"، يؤكد علي.
اليوم، لا يرى علي مستقبله بعيون جديدة، بل ماضيه أيضاً. "في الماضي ربما لم ألحظ حيوات النساء في كتاباتي"، يقول علي. يبدو أن عدم الاهتمام بالمرأة انطبق على حياته كما على كتاباته. التغير "فرصة لأعيد النظر بحياتي من جديد، ولرؤية حياتي بعيون جديدة"، يقول علي.
القليل من العقل، والكثير من المشاعر والأحاسيس
يبدو أن التغير الآنف الذكر قد أنعش أعمال علي من جديد. من المُسلّم به أن أعماله السابقة كانت ممتعة، غير أنها، في بعض الأحيان، كانت تفتقد للعمق العاطفي. من الناحية الجوهرية لا يزال يطرح علي التساؤلات نفسها التي طالما شغلته: الهويات، العلاقة بين "الشرق" و"الغرب" والعلاقة بين الحداثة والحركات الدينية، ولكنها الآن تأتي في سياق مختلف، مُفعم بالمشاعر والأحاسيس.
"أرى الآن أن رؤيتي السابقة للناس فيها الكثير من الغرور، كانت تلك رؤية ذكورية لرجل الطبقة الوسطى. أما الآن فأحاول أن اقترب من طريقة تفكير الناس العاديين"، يقول علي. فصاحب رواية "بابا سارتر" يفكر، الآن عند الكتابة، أقل من ذي قبل بالفلسفة، وينشغل أكثر بالتفاصيل اليومية لشخصياته: كيف تأكل، وكيف تنام، وكيف تحب، وكيف تتصارع، "بأسلوب شعري، غير جاف، وبعيداً عن التحليل"، على حد تعبير علي. لا أحكام قيمة في "الكافرة"، بل امرأة تتحدث عن حياتها ببساطة.
يبدو أن حياة المرأة وتحريرها تشغلان الآن موضع القلب في أعمال علي الروائية. فقد شرع مؤخراً بكتابة رواية قصيرة عن امرأة مسيحية معتقلة عند تنظيم "الدولة الإسلامية". ويأمل علي أن ينهي هذا العمل بحلول عام 2017.