القاهرة - ناهد سمير / تصوير - عادل عيسى - " وكالة أخبار المرأة "
اعتادت الفتاة العربية أن تواجه ضغوط المجتمع ومشكلات الحياة بالصمت، لكن فتياتٍ مصريات قررن أن يفعلن العكس، وأن يحكين تجاربهم - حتى المؤلمة منها -، فبالحكي يتخلصن من هذه التجارب.
“عن طريق الحكي يمكننا أن نوصل ما نرغب فيه، لأن صوتنا مهم”، بقوة قالتها جيهان فادي إحدى المشاركات في عرض الحكي “آنسة ولا مدام؟”، الناتج عن ورشة نظمها مشروع “بصي” الذي يهدف إلى خلق مساحات حرة للسيدات والرجال في مصر؛ لرواية تجاربهم الشخصية المسكوت عنها بالمجتمع، كما يقوم بتوثيق وعرض قصص حقيقية في شكل عروض مسرحية دون رقابة بمناطق مختلفة داخل مصر.
عرض “آنسة ولا مدام؟”، نتاج ورشة حكي بدأت فى أكتوبر/تشرين الأول 2015، يضم مجموعة من التجارب الشخصية والتأملات حول الضغوط المجتمعية التى تتعرض لها الفتاة غير المتزوجة.
وكلمة “بصي” تعني انظري باللهجة المصرية، وهي كلمة تقولها كثير من الفتيات المصريات عندما تروي حكاية لرفيقتها، وأكثر عندما تعلق على الحكاية أو تنصحها نصيحة مترتبة عليها.
الزواج هو السبب
لم تكن تلك المرة الأولى التي يقدم بها مشروع “بصي عرض حكي”، لكن الاختلاف هنا في تنظيم تلك الورشة التي سبقت العرض، وضمت 7 من السيدات والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 إلى 40 عاماً، للحديث عن الضغوط التي تواجهها كل منهن في المجتمع المصري بسبب موضوع الزواج.
وعقب عدة جلسات جمعتهن معاً نتج عنها تبادل خبرات وقصص حقيقية متنوعة في تفاصيلها، متشابهة في مجملها، خرج للنور عرض “آنسة ولا مدام؟”، الذي ضم مجموعة من القصص الحقيقية، وتم عرضه يوم 16 أبريل/نيسان 2016، على خشبة مسرح المركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة بالقاهرة، خلال حفلتين متتاليتين، وسط حضور كبير من الجمهور وصل إلى أن بعضهم لم يستطع الدخول لضيق المكان ونفاد الدعوات.
“هافينغتون بوست عربي” أجرت حواراً مع 5 من ضمن 7 من “الحكاءات” للتعرف على تجربتهن.
الشفقة
“كنت أخشى أن تشعر زميلاتي تجاهي بالشفقة ولكن هذا لم يحدث”..
جيهان فادي درست إرشاد سياحي، مهتمة بالآثار، والأدب، والحكي، والتاريخ، وأمور أخرى لا علاقة لها ببعضها، وبطبيعة عملها، اعتادت أن تعبر عما بداخلها بكتابة القصة القصيرة، إلى أن تعرفت على ورشة “بصي”، التي تتناسب كما تقول مع اهتمامتها، وتقدمت فور علمها بالإعلان عن ورشة المشروع لتكتشف هل ستتمكن من التعبير عن نفسها بالحكي أم ستظل حبيسة الورقة والقلم؟
وبالفعل تم قبولها، ففرحت كثيراً، وشعرت بأن تلك هي الفرصة للتعبير بشكل جديد عما بداخلها، وهنا أدركت معنى الحكي، وأحبته.
قالت جيهان عن كواليس الورشة، “كانت عظيمة، ولم أكن أتخيل أن أشارك في تجربة بهذا الشكل، علماً بأنني لم أكن أعلم شيئاً عن أبعاد الورشة قبل البدء، ولكن اكتشفتُ نفسي وعلمتُ عني الكثير الذي لم أكن أنتبه له في السابق، وأدركت أن الزاوية التي أرى بها الحياة يوجد غيرها، ويرى من خلالها غيري الحياة أيضاً، كما تفهمت أن الكثير من الأمور قد تبدو أنها رحلت، ولكن فور الحكي عنها تطفو على السطح”.
وأضافت، “كما أنني قبل الورشة كنت غير مقتنعة بأهمية البوح بما بين ضلوعي، أما الآن فأقول كيف لنا ألا نحكي عن أشياء مررنا بها حتى وإن كانت مؤلمة، ولما لا نتشاركها سوياً وأن يكون هنا من يرغب للاستماع لها، لأننا كلما تركناها داخلنا لمدة طويلة، نشعر وكأن ما حدث هو نهاية العالم، ولكن بمجرد البوح بها نكتشف أنها ليست بالحجم الذي نتخيله، كما نشعر عقب الحكي بأننا في حال أفضل”.
واستطردت، “الغريب أننا كشريكات في ورشة "بصّي" نتبادل الروايات، وذلك ما فرض على الورشة قداسة” حسب تعبيرها.
قوية وأستطيع أن أحكي
ترى جيهان وفقاً لدراستها أن الحكايات ذات أهمية منذ عصر المصري القديم، وكانت تُكتب على الأحجار، وأنها وقت الحكي يمكنها أن ترى نفسها من الداخل، وكشفت لنا أنها كانت تخشى أن ينظر لها صديقاتها في الورشة بعين الشفقة عند الحكي، وذلك ما لم يحدث، فسعدتْ واقتربتْ منهن أكثر.
وتتابع عن طريق الحكي، “استطعنا أن نكسر فكرة التابوه عن القصص التي قمنا بتقديمها، لأنه من الضروري أن نتحدث عنها، كما أنه لم يعد هناك (محظور) كل شيء قابل للحكي”.
وأضافت، “أصبحنا نتقبل بعضنا بعضاً، والآن نشعر بالشفقة تجاه أي تجربة أياً كانت وألا نحكم على غيرنا”.
تضمن مونولوج جيهان خلال العرض عدة مشكلات مثل: نظرة المجتمع للفتاة غير المتزوجة، والختان، ونظرة المجتمع لكليهما، الأمر الذي أصابها بالتوتر في بداية العرض، إلى أن صارت أكثر قوة بعد قليل من الحكي للحضور.
للبنات فقط
قالتها في ثقة رشا سلطان (35 سنة) إحدى الحكاءات التي تعمل في مجال الإعلانات، وتعشق المسرح، خاصة الحكي، لما يحققه من مساعدة للفتيات في البوح عما يؤلمهم ويعوق تقدمها في الحياة، “الحكي لأنه نوع من أنواع التوعية المجتمعية بجانب أنه فن”.
تختلف رشا عن غيرها من المشاركات في ورشة “بصي”، بتجربتها السابقة مع الحكي ضمن ورشة، تحدث 30 من المشاركات بها عن حوادث التحرش، فأدركت وقتها أن الحكي هو الطريق والحل، وهي متابعة لـ “بصي” منذ وقت طويل، وعلمت بالورشة بالصدفة سبتمبر/أيلول 2015، إلى أن أصبحت جزءاً من الورشة والعرض، وعبرت عن سعادتها بذلك قائلةً “تجربة الحكي مختلفة جداً مع بصي”.
وعن تأثير الحكي، تقول رشا سلطان “من خلاله أستطيع الغوص بداخلي، وأكتشف مناطق لم أكن أتخيل أن أفكر بها يوماً، أصل بإحساسي للمنطقة التي أرغب فيها، اكتشف نفسي من جديد، وأتعرف على الأسباب الحقيقة التي دفعتني لأخذ موقف بعنيه من أمر ما، الحكي تجربة شديدة العمق”.
مشاكلنا واحدة
خلال العرض، كانت المونولوجات “الحكي” التي قدمتها الحكاءات مرتبة ومتتابعة؛ لكي يخرج العرض بشكل جيد محققاً هدفه.
وأوضحت رشا سلطان أن المشكلات تتمثل فيما تتعرض له الفتيات من ضغوط تدفعها للزواج، “كذلك الاعتداء على مساحتها الشخصية، التحرش، وغيرها من الأمور، لذا كان لا بد من البوح بكل ذلك؛ حتى يتوقف المتسبب في المضايقات عن الاستمرار بها، وإلا فسيولد الصمت ألماً مستمراً دون جدوى” وفق وجهة نظرها.
الدائرة مقفلة
جيلان يوسف التي تبلغ من العمر 24 عاماً وتعمل بأحد البنوك، تقدمت للورشة، وعند بدء الجلسات تعلمت في تلك الغرفة التي ضمت الحكاءات السبع أن الدائرة مغلقة، وما يحدث بالداخل لن يتحدثن عنه فور الخروج منها، فهو ابن تلك المساحة فقط، والتزامهن باحترام ما ينصتن إليه أياً كانت هويته، اكتشفت أنها تخرج عن جسدها في الورشة لتدخل في قصة رفيقة أخرى لها بالورشة، فترى بعينها ما تمر به عن قرب، الأمر الذي ساعدها على توسيع مداركها.
لم تشعر كغيرها من رفاقها بفجوة اختلاف الأعمار بينهن، “فالتجربة تتوقف على قدرة صاحبها على التحمل وليس العمر” على حد قولها، وكانت تتساءل عند سماعها لتجارب وصفتها بالمخيفة كيف تحملت صاحبتها كل هذا؟
مشكلة كل الناس
وقالت عن مشكلتها التي حكت عنها خلال العرض “لم تكن مشكلتي أنا فقط بل مشكلة الجميع، وتتمثل في أن عقلي مشوش، ولا أملك مفهوماً محدداً للحب والكره، بخلاف أن هناك الكثير من الأمور التي نعيشها يومياً وأعتقد أنها عادية من كثرة حدوثها، ولكن كلما جلست في غرفتي، أكتشف أنها ليست عادية، لكني حوّلتُها لذلك بفعل الروتين، الذي جعلني لم أعد أفكر بها من كثرة التراكمات”.
الحكي حل سحري
راما (20 عاماً) هي الأصغر سناً في الورشة من محافظة الإسماعيلية، أتمّتْ دراستها للثانوية العامة بجنوب أفريقيا، تخرجت في 2015 وقبل أن تذهب لاستكمال دراستها الجامعية عادت إلى مصر للحصول على إجازة، وهي بجانب كونها واحدة من حكاءات العرض تعمل أيضاً بمشروع “بصي” الذي وجدت به ضالتها لكونه يعالج قضايا النوع عامة، والمرأة خاصة في مصر بطريقة جديدة وهي “الفن”، كما كان لها مشاركات تطوعية سابقة بمشاريع أخرى.
وجدت ما أبحث عنه
أما دينا (32 عاماً)، التي تعمل منسقة في مبادرات مجتمعية عدة، خاصة المتعلقة بقضايا مرتبطة بالمرأة والنوع الاجتماعي بشكل عام، فوجدت في “بصي” ما يتناسب مع اهتمامتها، خاصة في طريقة علاج القضايا السابق ذكرها عن طريق الفن.
كانت تلك هي التجربة الثانية لها مع الحكي، حيث سبقتها تجربة نتجت عن ورشة أيضاً، ولكنه “حكي رقمي”، يعتمد على تحويل قصتها إلى فيديو مدعم بصور وصوت معبر عن القصة، كانت دينا متابعة لـ “بصي” وحضرت عرضاً سابقاً لها، إلى أن شاركت في الورشة الخاصة بالمشروع، فوجدت ضالتها.
وقالت “أنا كنت مهتمة بشغل التوعية المجتمعية، وعملت به قبل من خلال حملات في الشارع، ولكن ليس بشكل فني. ورشة (بصي) جمعت شيئين عندي اهتمام بهما، وهما إني باتكلم في قضايا تهمني واتكلم بشكل ما (فني) مختلف”.
هافينغتون بوست عربي