الدكتور محمد فتحي راشد الحريري - الإمارات العربية المتحدة- خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

النصف من شهر شعبان، ويعادل حسابيا أسبوعين يفصلان عن شهر رمضان المعظم، وينقسم الناس فيه هذه الأيام بين من يدعو لإحياء ليلته وصيام نهاره ابتهاجا واحتفاء، وبين من ينكر هذا جملة وتفصيلا، وكل فريق يستمسك بنصوص وآثار تقوّي حجته !!
وأنا العبد الفقير لله تعالى لن أتدخل بتضعيف أو تقوية حجة أي طرف ضـدَّ الآخر فهذا من اختصاص الفقه المقارن، وإنما سأتحدث كعادتي بلغة الجذور موردا أصل هذه المسألة (احتفالية النصف من شعبان)  ومستندها حسب رواية الفريق المحتفل نفسه والعهدة عليه والله أعلم .
��في النصف من شعبان تم تحويل القبلة على الراجح من الأقصى الى الكعبة
المشرفة بعد نزول الآية الكريمة الآمرة بذلك كما هو معروف :
((قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكتاب الْكِتَاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
سورة البقرة/ 144 .
وفيها يُقال نزل قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً)) المائدة / 3.
�� في النصف من شعبان نحتفل في منطقة الخليج العربي بما يسمى حق الليلة ويقال انها من عبادات الشيعة ؛وفدت علينا بحكم الجوار ؛ فلقد اخبرني أحــــد ُ الباحثين في الشأن الثقافي والعمراني فقال:
⚡ حق الليلة أصلها عبادة شيعية خالصة ولذلك من أناشيدها: أعطونا الله يعطيكم وبيت مكة وديكم .
والاصل فيها:
⚡ في النصف من شعبان سنة 255هــ ولد الإمام محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عند بعض الفرق الشيعية، وهم يحتفلون بميلاده ومعهم من جاورهم بحكم التقليد والجوار الجغرافي .
وهناك رأي يقول أنه نزل فيها الآية الكريمة :
((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً)) المائدة / 3. وللشيعة تأويل زئبقي في هذا المقام وهو أنَّ إكمال الدين إنما حصل في يوم الغديــر ، وهو اليوم الذي أوصى الله فيه بالخلافة لعليّ بن أبي طالب، الخليفة الرابع وهو الذي يرون أنه سُلِب حقه بالخلافة ، إذ كان يجب أن يكون الأول!!!
والقريقعان في بعض دول الخليج ليس في منتصف شعبان وإنما في منتصف شهر رمضان المعظم .
�� وأقول : يبقى حق الليلة والقرقيعان دليل على كرم اهل الامارات والكويت وحسن جوارهم. وهي اليوم باتت من التراث ، والمواطنون حين يحتفلون بها اليوم فلا يخطر ببالهم سنّة ولا شيعة، إنما شيء من التراث( الفولكلور الشعبي المتوارث) جرت العادة به، فترى الأطفال يجرون في الشوارع يطرقون الأبواب ويطلبون حقّ الليلة، وتجد معهم أطفالا من الأثرياء والعائلات الغنية، ومن طقوسه أنه مناسبة لتبادل التهاني بين أفراد الشعب وافدين ومواطنين!!!
أذكر من أول سنة قدمتُ فيها الخليج كيف كان يتصل بي المواطنون مهنئين ، وكيف أنّ الناس كانوا يهدون أولادي الحلوى والمكسرات، وصرنا تأثّرا بهم نطلب من أولادنا أن يجاروهم ويشاركوهم فرحتهم وسلوكهم ، لا من باب سني ولا شيعي وإنما من باب التراث العتيد .
��اما عند أهل السنة والجماعة فهناك حديث شريف فيها :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:《يطلع الله عز وجل إلى  خلقه ليلة النصف من شعبان ،فيغفر لعباده إﻻ ﻻثنين: مشاحن وقاتل نفس》.لفظ اﻹمام أحمد6642
وفي رواية:《إﻻ لمشرك أو مشاحن》.لفظ ابن حبان5665
**والحديث رواه ثمانية من الصحابة بألفاظ متقاربة، وصححه بشواهده شعيب اﻷرنؤوط،وحسنه اﻷلباني.
وهذا الحديث الشريف عمدة المستدلين بأهمية هذه الليلة، والمجيزين الاحتفال بها
وبالطبع هناك أحاديث أخرى ضعيفة في المسألة أعرضنا عنها.
وهكذا فالنصف من شعبان كان مناسبة عظيمة للتوبة عند كثيرين وطلب السماح من بعضهم والتحلل من الذنوب والمظالم، كما أنه فرصة للتواصل الاجتماعي وتبادل التهاني وتقوية أواصر العلائق الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
ولا أريد من أحد أن يتبجح هنا ويروح مسترسلا في سرد آراء مشائخه والفقهاء الذين يروّج لفلسفاتهم وآرائهم، لأقول له يا أخي نَظِّــر ما شئت ولكن لا تكفِّــر أحدا ، وإنما بُعثنا مبشرين لا منفّرين، وبالطبع لا مكفِّـرين .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.