الكاتب الصحفي: محمد شباط أبو الطيب - سوريا - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "
سارت ليلا بين أشجار النخيل الباسقة الشامخة في البستان المجاور للفيلا كانت تروح وتجيء وتروح وتجيء شاردة الذهن تفكر بأمر ما بقيت تسير وتسير عدة مرات تنظر إلى النجوم تارة وتتأمل القمر الذي يضيء الإرجاء تارة أخرى وهكذا أمضت رجاء ليلتها قلقة حائرة في أمر ما أرق نومها.
فجأة دق جرس هاتفها المتحرك يحمل صوتا تعرفه قادم يطمئنها .
قالت: السلام عليكم. هيا أخبرني كيف أصبحت؟ هل وصلت إلى هدفك وهل وجدت ضالتك المفقودة ؟ و هل واجهتك المشاكل ؟ أجاب بهدوء .. (على رسلك تمهلي قليلاً اتركي لي مجالا لأتكلم. أردف أحمد ) فقالت بتوتر هيا تكلم :قالت رجاء لأخيها.
فأجابها بثقة :اطمئني لا تقلقي الأمور بخير والحمد لله .
في صباح اليوم التالي تحديدا قرابة الساعة التاسعة صباحا ، كانت رجاء تحتسي القهوة بجانب النافورة مع أمها وأبيها بعد ليلة عصيبة حافلة عاشتها بقلق وتوتر منقطع النظير .
في هذه الأثناء جرى حوار عائلي بينهم حول موضوع سفر أحمد ودوافع السفر ،سلبياته وايجابياته. فقد سافر أخوها أحمد عبر البحر مع أقران له بحثا عن لقمة العيش والأمان ، في ظل ذلك الخطر الكبير الذي يحدق بهم عبر البحر الذي يبتلع أجساد الكثيرين ويلتهمهم دون رحمة فهو لا يميز بين صغير أو كبير ذكر أو أنثى حتى أنه لا يميز بين احد منهم أسود أبيض حتى الأطفال الأبرياء سوى أنها أجساد ترقد بأعماقه بعد الغرق لغدره بهم عنوة دون سابق إنذار .
يا له من وحش كاسر ابتلع والتهم أجسادا كثيرة بدم بارد .
رغم ذلك فإن أفواج المهاجرين مثل موج هائج لا زالت تهدر وتتزايد هربا من الموت الذي تعددت أسبابه في بلادهم. (حروب ونزاعات وحوش بشرية. فقر. حصار مستدام )لقد هرب هؤلاء من الموت ليكون البحر قبرا جماعيا كبيرا لهم جميعاً قبر لا يستطيع ذوي الأموات زيارتهم فيه فهو قبر ليس له معالم واضحة ولا موقع معين لتقلباته ولتلاطم أمواجه .
هاربون من الموت إلى الموت هكذا هرع هؤلاء ليسوا وحدهم فقط تغيرت عليهم الطريقة لجني الموت حتى أصبح الأمر كلعبة يتسلى عليها الجمهور بالمشاهدة وبالتفرج الصامت القاتل من قبل كبار القوم المتسببين بمآسي الكثيرين .
مشهد متكرر مثل برنامج الحصن الترفيهي في اليابان. الأكثر يغرقون في البحر والقليل القليل هم الناجون الذين يصلون إلى بر الأمان .وبينما هم كذلك إذا بهم يسمعون نبأ غرق القارب الذي أقل أحمد وفي الوقت ذاته تبعه نبأ آخر يؤكد نجاة أحمد بأعجوبة. وهو الآن بين أفراد عائلته إذ قرر إلغاء فكرة الموت عن طريق البحر مثل كثيرين أبتلعهم البحر ورقدوا فيه إلى يوم يبعثون .