الكاتبة الصحفية: الثريا رمضان - تونس - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "
حين يلتحم الشاعر بالشارع، ويصدح بقصائده الجريئة العابثة بمشاعر المنصتين، فيجتمع العابرون مع الحضور، والمارّة مع الشعراء والأدباء، والكلمة العابرة مع الكلمة المكتوبة والمنطوقة بكل ما فيها من أحاسيس. حين يقول الشاعر كلمته كل مساء في المقهى الخارجي لنزل الهناء، بقلب شارع الحبيب بورقيبة، الشارع النابض بالحياة، الذي صار رمزا لكل تحرّك شعبي، وكل غليان، وكل وقفة احتجاج. حينما تصبح كلمات الشاعر الراحل محمد الصغير أولاد أحمد مكتوبة بخط إبداعي للخطاط والفنان التشكيلي التونسي عبد الرزاق بن حمودة لتغطّي سوأة الواقع الدموي الذي يعيش على وقعه العالم منذ سنوات طويلة، تصبح تونس كما العروس التي تخضّب كفّيها بالحناء لتعبق منهما رائحة الفرح، ورائحة قصيدة الحب.
"تونس الشاعرة" تكرّم الشاعر الراحل محمد الصغير أولاد أحمد في أربعينيته، لـ"نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد"، في إطار فعاليات الدورة الرابعة لمعرض ربيع الكتاب التونسي التي تلتئم هذا العام من 20 ماي إلى 31 ماي 2016.
"تونس الشاعرة" شعار هذه الدورة التي تنظمها وزارة الثقافة بالتعاون بين المندوبية الجهوية بتونس واتّحـاد الناشرين التونسيين والمركز التونسي للكتاب وبمشاركة جميع الناشرين و الكتّاب التونسيين. وتظاهرة "تونس الشاعرة" جزء لا يتجزأ من المعرض الذي يؤثث مساحة لا بأس بها من الرصيف المتوسط للشارع تحت خيمة بيضاء توحي بلون تونس الأبيض النقي.
أمسيات شعرية تتحدى ثقافة الموت، وندوات فكرية، وموسيقى بدأت مع عرض "ريحانة" للفنان التونسي إحسان العريبي، ومعها كانت أحلام بتونس أجمل وأوضح، مع ضيوف من شاعرات وشعراء تونس كمحمد شاكر بن ضيّة ووسيلة المولهي وسامي الذيبي ورحيم جماعي وحبيب الحاجي وسندس بكار وراضية الشهايبي، وغيرهم من شعراء تونس، ومجموعة من الشعراء العرب كزعيم نصار وجابر السوداني من العراق.
تظاهرة متميزة، تثبت أن الشعر أيضا له أنصاره ومريدوه، لكنها فتحت الباب للكثير من القيل والقال. "تظاهرة تونس الشاعرة أصبحت حديث الناس وخط نزاعات بين الحلفاء من الشعراء والفرقاء منهم. لم تكن الحروب قاتلة كما يحدث في الحروب الأخرى ولا مقدّسة كي نقول لقد عادت الحروب الصليبية، إنها حرب نبيلة تخاض على مناطق الشعر حتى تكون القصيدة بأفضل حال" هكذا تحدث فريد سعيداني منشط التظاهرة ومدير اللقاءات التي تتم خلالها، بعد موجة الأحاديث التي أخذت تنتشر على شاطئ الشعر والشعراء في تونس، ممّا يزيد من إصرار الشاعر فريد سعيداني أن هذه الدورة قد أتت أكلها، فكما يقول "يكون اللقاء الأدبي جيدا عندما يثير أسئلة، وكل عمل يشوبه النقصان" مضيفا "نحن نشتغل من موقعنا، ومن له أماكن أخرى فأرض الله شاسعة".
كثر اللغط في الوسط الثقافي التونسي وكثر الحديث عن تونس الشاعرة، وكل صار يدلي بدلوه، وهو ما يثبت نجاح الدورة، ليس على الصعيد الثقافي فقط بل على الصعيد الإنساني، إذ استطاعت التظاهرة أن تجمع بين جميع المدارس الشعرية على مدى ثلث شهر وتجعل العامّة تحتضنها وتشنّف آذانها بالشعر، بعد أن كان مقتصرا على الأماكن المغلقة، وعلى جمهور بعينه. كما أن ما يثلج الصدر أن التظاهرة تؤكد أن تونس ستبقى شاعرة حرفا ومعنى، لفظا وفعلا، وأن ثقافة الحياة والفن والإبداع قادرة على التغلب على ثقافة الموت لأن الشعب التونسي شعب واعٍ بطبعه.