رهام عودة - " وكالة أخبار المرأة "
في ظل ثورات الربيع العربي، قد تسقط الأقلام التي تُبجل الحكام و تنافق الملوك ، وقد ينزوي كبار المنافقون ويتنكرون لرؤسائهم بعد زوال عروشهم ، و قد ينخرط المندسين مع الثوار في مظاهراتهم ويهللون معهم للحكام الجدد، ويرحبون بفترة سياسية جديدة ترسم معالم شرق أوسط جديد، فترة قد تسقط بها الأقنعة الزائفة وتنكشف خلالها الوجوه الحقيقية لأصحاب المصالح و للساعين وراء المناصب ، لأنه بكل بساطه ، الشعوب قد انتفضت وقالت كلمتها في وجه الطغيان والظلم ، فما عاد بيت شعر يمدح زعيم ينفع شاعره ، وماعادت أغنية شعبية تروج لقائد سياسي ترفع من مكانة مغنيها. فنحن الاَن كعرب نعيش في خضم ثورة الديمقراطية الجديدة العشوائية ، التي مازالت بعض الشعوب العربية تحاول أن تتعلم أبجدياتها اللغوية،حيث مازال البعض يسيئ استخدام تلك الديمقراطية ويعتبرها حرية مطلقة بدون معايير أو ضوابط تنظمها، مما انعكس ذلك سلبيا على الأمن القومي لبعض البلدان العربية،فسادت في تلك البلاد مظاهر الفلتان الأمني و فوضى الحكم. وبالرغم من تهاوي بعض القصور وسقوط بعض العروش في بعض الدول العربية، مازالت حكايات القصور وحياة الملوك تجذب الكثير من قراء الروايات و القصص الخيالية، فقد تربت معظم الشابات العربيات منذ نعومة أظافرهن على قصة السندريلا التي خطفت قلب الأمير و قصة بيضاء الثلج التي انتصرت على زوجة أبيها الشريرة، ففي قصص الملوك و الملكات و الأمراء و الأميرات، بعض من العبر والكثير من الخيال الرومانسي، فلا توجد فتاة عربية، لم تتمنى يوما ما، أن تكون قد وُلدت أميرة أو تزوجت بملك وأصبحت ملكة. لذا اخترت أن تكون بطلة وشخصية هذا المقال،الملكة رانيا العبدالله، السيدة الأولى في الأردن والتي تربعت بكل كفاءة على عرش المملكة الهاشمية الأردنية، منذ عام 1999. وفي هذا المقال، اخترت بأن لا أتحدث عن الملكة رانيا، بصفتها ملكة رسمية للأردن فقط ، لأنه ليس من طبعي مدح الملكات والملوك وأصحاب النفوذ، لكنني سأتحدث هنا عن الملكة كأم وزوجة وفوق كل شئ سأتحدث عنها، كإنسانة وناشطة دولية في مجال حقوق المرأه والطفل. فقد نجحت بالفعل،الملكة رانيا للوصول لأرفع المراتب العربية والدولية بجانب لقبها الملكي، ونالت احترام أبنائها الأمراء و الأميرات وأنشأتهم بناءً على أساليب التربية الحديثة المعاصرة ، ليس بسبب سلطتها كملكة، بل بسبب حكمتها في الحياة و ذكائها كإنسانه مثقفة. فكم من أميرة وملكة بالتاريخ كان جل همهن اليومي هو متابعة أحدث صيحات الأزياء العالمية،وكانت أعظم خطة لديهن، هو كيف يقضين معظم أوقات فراغهن بالمنتجعات السياحية العالمية،دون الاكتراث لهموم الفقراء والمهمشين بالعالم. وكم من أميرة وملكة بالتاريخ، عشن في برج عاجي ولم تندمجن مع عامة الشعب و ارتدين فقط الأزياء العالمية الفاخرة . لكن ما تفعله الملكة رانيا هو مختلف عن ما تفعله الملكات التقليديات المذكورات في الأمثلة السابقة، فهي ترتدي أحيانا مثل فتيات الطبقة المتوسطة، القميص القطني البسيط مع بنطال من الجينز الأزرق ، وتفتخر بثيابها البسيطة عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، بدلا من أن تتباهى بتتويج رأسها بالتاج الملكي و تزيين عنقها بعقد ماسي. فقد اكتفت الإنسانه رانيا بنشر صورعادية وبسيطه لها، مثلها مثل أي إمرأه عربية عادية، تتأمل جمال الطبيعه و تفكر بكيفية إسعاد عائلتها الصغيرة وخدمة وطنها الكبير. إنه من الصعب جدا،تجاهل النشاط الاجتماعي والخيري للملكة رانيا، وعدم ملاحظة صدق إيمانها بالعمل الإنساني و إنكار مدى ثقافتها المعمقة في القوانين الدولية الإنسانية. فالملكة لم تشغلها المظاهر الكذابة و حياة القصور الفخمه ، بل بدأت تخطط منذ تتويجها كملكة لمستقبل إنساني ودولي لها ولعائلتها الملكية ، بحيث بدأت تُروج للصورة الإيجابية للمرأه العربية في المحافل الدولية ، مكرسةً معظم جهودها للعمل الإنساني والإجتماعي على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. لقد اندهش الغرب بالسابق،ومازال ينبهر بحياة الأميرات الغربيات، أمثال الأميرة ديانا وأميرة موناكو ودوقة كامبردج،وذلك ربما بسبب مشاركة بعضهن بالأعمال الإنسانية مع بعض المنظمات الدولية، مثل منظمة الصليب الأحمر الدولية ، لكنه في نفس الوقت لم تعر الصحافة الدولية أهمية كبيرة لمتابعة العمل الإنساني الدولي للنساء القياديات العربيات ، حيث دائما ما يركز الإعلام الغربي على صورة المرأه العربية الضعيفة والمهمشة أو المرأه العربية الثرية التي تعيش حياة مترفة في القصور العربية. لكن الملكة رانيا، بنشاطها الإنساني العربي والدولي، كسرت قاعدة نساء القصور، واقتحمت بأعمالها الإنسانية المحافل الدولية بكل ثقة وبكل صدق وإيمان حقيقي عبر رسالتها الإنسانية التي تتمثل بدعم الفئات المهمشة ليس بالعالم العربي فقط بل على مستوى دول العالم الأخرى مثل جنوب إفريقيا التي زارتها من أجل دعم حركة تعليم الفتيات فيها. لم ترتدي الملكة رانيا فقط الفستان الأنيق الفاخر الذي يصممه أكبر مصممي الأزياء العالميين ، بل بجانب أناقتها الرفيعة المستوى،اعتزت الملكة رانيا بإرتدائها لملابس عملية بسيطه، لكي تندمج بسهولة مع موظفي منظمات الإغاثة الدولية ، أثناء زياراتها لمخيمات اللاجئين السوريين في جزيرة لسبوس باليونان، ولكي أيضاً تُشعر الملكة اللاجئين السوريين بدعمها لهم و ترسل لهم رسالة مفادها بأن سبب وجودها معهم هو من أجل مساعدتهم وليس من أجل التكرم عليهم بزيارة ملكية تاريخية. وربما لم يلحظ بعض نجوم الصحافة و الإعلام العربي و الغربي ، فصاحة خطاب الملكة رانيا وهي تلقي خطاب انساني بالدرجة الاولى، بكلا اللغتين العربية والانجليزية، مستخدمة كلمات متزنه و لبقة،تتوافق مع المصطلحات الدولية لحقوق الانسان وحقوق المرأه ، مما يدل على المستوى التعليمي الرفيع للملكة وخبرتها الكبيرة في مجال الإتفاقيات الدولية. لم تلحظ ربما بعض وسائل الإعلام، رقة و أنوثة الملكة رانيا، وهي ترافق زوجها الملك أثناء رحلاته الدولية بشكل إيجابي، ممثلة بذلك الزوجة العربية المخلصة التي تدعم زوجها بكل رقي و محبة. لم يلحظ أيضا ربما البعض ،كيف تتابع الملكة متطلبات العصر الحديث عبر استخدامها لوسائل الإعلام الجديد من أجل مشاركة عامة الشعب بكافة مناسباتها الشخصية والعائلية مثل احتفالها بعيد ميلاد أصغر أبنائها، و إظهارها لسعادتها لتخرج أكبر أبنائها من الجامعة، و تعبيرها عن حبها لزوجها الملك في عيد الحب، واعتزازها كأم حنونه بابنتها الأميره وهي ترافقها أثناء زياراتها للمؤسسات الخيرية. إن معظم ما تروجه وسائل الإعلام عن الملكات في العالم هو بالأغلب المظاهر الزائفة التي تتمثل بالأزياء و المجوهرات وحجم الثروات ، و لا يروجون لإنسانية النساء الملكيات بالعالم ، مما يؤدي إلي توسيع الفجوة بين سكان القصور وسكان البيوت العادية. لكن في ظل العولمه و في ظل الديمقراطية الحديثة التي بدأت تجتاح الدول العربية ، الحكام الأذكياء هم من يستجبيون و يتأقلمون مع متطلبات العصر وهم من يبادرون أولاً و يتقربون للشعب بدلاً من أن يتقرب الشعب إليهم. والمملكة الأردنية الهاشمية تعتبر أكبر نموذج عربي للمملكة الحديثة والقريبة من الشعب و التي بقيادة ملكها وملكتها، تحاول أن تُلبي روح العصر و تستجيب لمبادئ الديمقراطية القانونية و الغير عشوائية التي لا تخل بأمن و إستقرار البلاد في ظل إشتعال الأوضاع الأمنية بالشرق الأوسط. إن الأنشطة المحلية والدولية للملكة رانيا، لا تدل فقط على إنسانية الملكة رانيا، بل تدل على ذكائها الشديد وتخطيطها الجيد لمستقبلها المهني و ليس فقط الملكي،حيث لا أستبعد أن تتولى الملكة رانيا في المستقبل منصب كبير في الأمم المتحدة ، مثل أن تكون رئيسة لمنظمة أممية رفيعة المستوى كاليونيسكو وذلك بسبب تشجيعها المستمر للتعليم في كل مكان، أو أن تتولى حتى منصب الأمين العام للأمم المتحدة في يوم ما. و أخيرا، أستطيع القول أن الملكة رانيا هي إمرأه إنسانية ذات أفاق دولية، وزوجة حكيمة تعرف جيداً معنى المسئولية الاجتماعية، وأم واعية تعلم أن ما يُخلد ذكرى الملوك و الملكات بالتاريخ هو عملهم الإنساني وخدمتهم لشعبهم، و ليس مجرد قصورهم الفاخرة وثرواتهم الطائلة.