رشدي - عثمان - " وكالة أخبار المرأة "
في السنوات الأخيرة ومع طول ساعات الصيام الصيفية، وقصر فترة الليل، وارتفاع حرارة الجو، بدأ رمضان يتحول في أذهاننا إلى صورة مرعبة بعض الشيء، وصارت عادتنا قبيل رمضان أن نحيا في تحفز نفسي من الجوع والعطش، والخوف من حرارة الجو، وإن كان رمضان في العقود المتأخرة قد ارتبط في أذهان البعض للأسف بالخمول وقلة الإنتاجية فإن توقيته في السنوات الأخيرة قد رسخ هذا الفكر أكثر، وأصبح يومنا في رمضان بشكل مؤسف منقسم بين النوم أو الخمول نهارًا والسهر المفرط وتضييع الأوقات وفوضى التغذية ليلًا، في هذا المقال سأحاول «وبواقعية تامة» اقتراح حلول لهذا النمط الخاطئ.
قاعدة أولى: لا يتعبدنا الله بتعذيب أنفسنا
«إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ». حديث صحيح
لو كان الصوم سلوكًا تعذيبيًّا لما فرضه الله، الصيام للتهذيب وليس للتعذيب، لأن هذا ليس من مقتضيات الشريعة، لذا فإن أسوأ ما يرهق أجسادنا هو استعدادنا النفسي أننا «سنعاني» من الصوم في رمضان، بسبب حرارة الجو وطول ساعات الصيام، هذه التهيئة النفسية لها تأثير سلبي كبير، وستؤثر «بشكل محسوس» في تعظيم شعورنا بالإرهاق والضعف، لأن الإيحاء قاتل كما هو معلوم، يمكننا تجنب الإرهاق والجوع والعطش «المفرط» بأساليب بسيطة وبتعديل سلوكنا الغذائي ونمط معيشتنا في رمضان، قطعًا سنظل نشعر بجوع وعطش، وهذا أحد مقاصد الصيام ذات الغاية العظمى التي فرضها الله لحكمة جليلة.
رفع إنتاجيتنا في رمضان
حين نكون أكثر وعيًا لأجسادنا والمؤثرات التي تتحكم في حالتنا النفسية والجسدية نكون أكثر إنتاجية وانتفاعًا بالصوم، في هذا الشهر المبارك يعتبر رفع إنتاجيتنا «الدينية والدنيوية» مطلب مهم جدًا، في رمضان – كغيره من الأزمنة – ما زلنا مطالبين بأعمال وعلينا حقوق، وكلما حافظنا على أجسادنا متعافية وقوية وأذهاننا نشطة، كلما تمكنّا من أداء تلك الواجبات المنوطة بنا، ومارسنا عبادتنا بخشوع أكبر وحضور أفضل وذهن خاشع؛ لذا من أعظم أهدافك أن تحافظ على لياقتك الجسدية والذهنية في رمضان. ومن تجربة طويلة مع الصيام أزعم أن رمضان فرصة ذهبية لرفع الإنتاجية أكثر من غيره، لكني سأتجنب تفصيل الجدال في هذه النقطة أو الإسهاب في التدليل عليها وسأترككم تستنتجون ذلك بأنفسكم.
أرى أنه لا حاجة بي إلى الإسهاب في تقديم نصائح تتعلق بخدمة الجسد في رمضان، سأكتفي فقط بثلاثة مفاتيح أو بالأحرى ثلاثة تحديات كبرى قادرة على تغيير قوة جسدك وكفاءته في رمضان وتعظيم منافع الصوم على ذهنك وجسدك ألا وهي:
النوم الكافي وجزء منه ليلًا
الحرص على رطوبة الجسم
الابتعاد عن السكر وفوضى التغذية
التحدي الأول: حافظ على رطوبة جسمك
لا تستطيع أجسامنا أو عقونا أن تعمل بكفاءة في غياب الماء الذي يكون أكثر من 60-70% من خلايا جسمنا، لذا من الضروري تعويض أجسامنا بحاجتها الكافية من الماء في ساعات الفطر، وصول الجسم إلى حالة الجفاف من أشد مسببات الإرهاق وأوجاع الرأس وخمول الجسد، الماء سر عظيم من أسرار الحياة والنشاط، ومع تعرضنا للحرارة والصيام لساعات طويلة يصبح الاهتمام بتناول حاجتنا من الماء والحفاظ على رطوبة أجسادنا والبعد عما يسبب لها الجفاف في حكم الأولوية القصوى! هذه أسرار الماء في رمضان:
يمكنك معرفة حاجة جسمك التقريبية من الماء بقسمة وزنك بالكيلو جرام على الرقم 28، فلو كنت تزن 70 كيو جرامًا فأنت تحتاج لترين ونصف من الماء، هذه طريقة تقريبية لأن حاجتنا تختلف باختلاف بنية أجسامنا وكمية النشاط التي نمارسها ودرجة حرارة الجو ومدى إجهاد الجسم حراريًا.
تناول الماء بانتظام طول فترة الفطر، على دفعات متوازنة وليس مرة واحدة عند السحور، كمية الماء التي نحتاجها لابد أن تدخل جسمنا على مراحل، لأن الكمية الكبيرة التي يتناولها أغلبنا عند السحور «مثلًا» غير ذات فائدة، سيأخذ جسمنا حاجته الوقتية ويتخلص من الباقي، لذا اصنع لنفسك قارورة مياة «أو أكثر» بها حاجتك اليومية وتناول منها الماء بانتظام خلال كامل ساعات الفطر، وتأكد أن تنهيها وحدك.
اعتزل مشروبات الكافيين، القهوة والشاي والمشروبات الغازية، هذه المشروبات تحتوي على كميات مرتفعة من الكافيين والسكر ولا يستحسن مطلقًا شربها في فترة الفطر ليلًا، لأنها بالإضافة إلى كونها ستمنعك من نوم عميق في فترة الليل، فإنها ستستنزف الماء من جسدك، لأنها تدر البول، لذا يبدو «رمضان بدون قهوة» أفضل كثيرًا لصحتك ونشاطك، قطعًا ستعاني الأعراض الانسحابية خلال الأيام الأولى لكن ابق صامدًا، أنا مدمن قهوة ومع ذلك أيقنت أن رمضان ليس زمن القهوة.
لا تتعرض للإجهاد الحراري؛ تجنب التعرض الطويل لأشعة الشمس نهارًا إلا لضروة واحرص على تبريد جسدك جيدًا حتى لا تفقد سوائل جسمك دون حاجة، في حال كنت تمارس المشي في رمضان نهارًا؛ احرص على أن يكون هذا في الساعة الأخيرة قبل أذان المغرب، وفي جو معتدل الحرارة، مع وجود تهوية جيدة وارتداء ملابس لا تؤدي إلى التعرق الشديد، واحرص على تروية جسدك مباشرة بعد المشي عند أذان المغرب.
عدم تناول المأكولات عالية الأملاح والنكهات الحارة التي تستنزف الماء من الجسد وتجعلك تشعر بالعطش والإرهاق نهارًا.
اجعل سحورك متأخرًا إصابةً للسنة، واحرص أن يحتوى على مصادر غنية بالبوتاسيوم مثل التمر والموز.
التحدي الثاني: ابتعد عن السكر
تدور أغلب أطباق رمضان حول المعجنات والسكريات بشكل ملفت، مع نهم معتاد في تناول المشروبات المحلاة من الأصباغ والغازيات الضارة، هذه السلوكيات هي جالبة الخمول الأولى في رمضان، ارتفاع الجلوكوز في الدم بعد صيام طويل يؤدي بالتبعية إلى ارتفاع الإنسولين بشراسه وهذا يدخل الجسم في حالة من الإرهاق الذهني والفتور الجسدي، فتجد نشاطك للصلاة والقيام معدومًا تمامًا، الماء هو أفضل مشروب تتناوله بعد هذا الصيام الطويل، اكسر صيامك على التمر واللبن، تناول طعامك بالتدريج «الشوربة والخضروات واللحوم» في وقت لاحق بعد صلاة المغرب، عقلك وعينك سيتعاملان مع الأكل بعد الفطور بطبع «المنتقم» لكنّ معدتك لن تتحمل أكثر من وجبتها «المعتادة» فلا تظلمها معك، إن إرهاق الجسم بعد هذ الصيام بكميات كبيرة من السكر؛ بعد تناوله لوجبة مشبعة هو جريمة في حقه، ليس فقط في فترة الليل بل سيستمر الإرهاق وانعدام التركيز نهارًا، بسبب الانخفاض الحاد في السكر بعد ارتفاعه الطاغي، أسوأ ما تفعله لجسدك بعد الإفطار هو فوضى التغذية بتناول الطعام بلا توقف، هذا يضيع كل منافع الصوم، معدتك ستكتفي بوجبة عادية، بقي أن تجعل عقلك وعينك يكتفيان!
التحدي الثالث: نم ليلًا: ثلاث ساعات على الأقل
النوم القليل، غير العميق، سيء التوقيت، المتقطع، من أكبر مسببات الإرهاق التي تجعل مستوى تركيزنا وحضورنا االذهني والجسدي غير لائق في رمضان، أصبح المعتاد هذه الأيام هو مواصلة السهر للفجر في رمضان، ثم النوم لساعات قصيرة بعد الفجر نضطر بعدها إلى الذهاب إلى العمل في حالة ذهنية مرهقة. وحتى يكون كلامي واقعيًا فأنا لن أتبنى مقترحًا لنوم كامل ليلًا، مع ذلك لا بد وأن نعرف أنه لا يمكن تعويض ساعات النوم الليلة وتأثيرها الكبير على اتزان أجسادنا وعقولنا، أنصح باتمام دورة نوم كاملة أو مضاعفاتها ليلًا؛ دورة النوم الكامل تساوي «90 دقيقة»ـ جرب هذا المقترح وراقب استجابة جسدك:
النوم من ثلاث إلى أربع ساعات ونصف بعد صلاة التراويح بحيث تستيقظ قبل أذان الفجر بساعة أو أقل للوتر والسحور.
النوم بعد الشروق لمدة ثلاث ساعات أخرى.
نوم القيلولة بعد صلاة الظهر لمدة لا تقل عن 20 دقيقةً.
اقتناعك الذهني هو الخطوة الأولى التي ستضمن إقبالك على هذه التحديات الثلاثة، إذا أجدت تثمين قيمة ذهنك الصافي وجسدك النشيط في رمضان فستراها تحدياتٍ تستحق، ومن نافلة القول أن أوضح أن هذه النقاط الثلاثة هي كذلك مفاتيح رئيسية لخسارة الوزن في رمضان.