الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

عن حالة حرب لن تنتهي أبدًا.. "هوانم" القاهرة

  • 1/2
  • 2/2


مهدى مبارك - مصر - " وكالة أخبار المرأة "

الشعار الذى يقول الإسلام هو الحل، لم يحدد الإسلام حلًا لأى شىء؟.. ولا اهتم بتوضيح قصده، الإسلام الدين، أم الذين يتحدثون باسم الدين، لكن الصورة التى بين يدي لسيدتين وطفلة، 3 أجيال مختلفة، من بائعات الخضار وخلفهن على الجدران الدعاية الانتخابية المشحونة بشعارات عن الإسلام الوسطى الجميل، الذى هو حل لكل شىء، بينما ثلاثة من الورثة الشرعيين للفقر لم يتدخل الدين ولا شعائره لحل مشكلاتهن.
هذه الصورة مدخل إلى نساء القاهرة، الضحايا فى كل شارع وحارة ومهنة، ومصائب العالم تحت أقدامهن، فقد جعل الله سوء الحظ من نصيبهنّ، ليس فقط لأنهن مصريات، إنما لأنه خلقهنّ نساء أيضًا.
ولأن الجحيم ينتظر على عتبة كل سيدة فى مصر، يطاردها، ولا يتردد لحظة فى أن يمسسها بناره، ويحيل حياتها نارًا، كان لا بد أن تقف على خط المواجهة.
فى الحرب، والحب، والحياة.. لم تتراجع نساء مصر لحظة عن الخطوط الأمامية، اعتبرت كل شيء معركة خاصة، النار ستأكل الجميع إذا استسلمت هى، فكل شيء يبدأ من بين يديها، وينتهى عندها.. وتنزل كلمة النهاية على التتر.
خرجت من الجلباب الفلاحى، خرجت من البيت والغيط والأحياء الشعبية إلى المصانع والشوارع.. كانت الفساتين تليق بها أكثر.
للمرأة المصرية نكهة خاصة، لم تستسلم لزحمة العالم، وجدت لها مساحة خاصة تتحرك فيها، منذ بداية القرن العشرين اهتمت «ناشيونال جيوجرافيك» بها، وبعاداتها، وألوانها، وأزيائها البسيطة، التى لم تتجاوز الجلباب و«القَمطة» الخضراء، فأرسلت مصورها أوتو كروب، الذى أخذ جولة بالقاهرة والمحافظات، وصوّر وجوه المرأة المصرية، فى الصعيد، فى الأقصر وأسوان، وفى الإسكندرية بالملاية اللف، وعاد إلى القاهرة ليلتقط صور الهوانم، وبنات العائلات الكبيرة، وذوات الفساتين، التى كانت طويلة فى ذلك الوقت.
مع دخول ١٩٤٣، كانت الحرب العالمية الثانية على وشك أن تنتهى، تفرغ المصور العالمى جورج فريدريك كاى من صور الحرب، ليبدأ جولة جديدة مع المرأة المصرية.. وحين وصل.. كان أول ما لفت نظره البائعات على عربات الكارو، وحاملات الأسبتة، والباحثات عن لقمة العيش فى أكوام القش، والخارجات عن القانون.. وخرج بألبوم للتاريخ.. كان توثيقًا مناسبًا لزمنه لوجوه سيدات مصر.. من البرش إلى العرش.. ومن خرابات حدود القاهرة إلى هوانم جاردن سيتى. وصل التاريخ إلى ١٩٥٠، زار الفرنسى هنرى كارتييه جارسون الأقصر باحثًا عن حياة صحراوية تصلح لكاميرا ضعيفة كان يحملها إلى مصر، لفتت نظره أزياء السيدات اللائى تعثرت أقدامهن فى الرمل والحجارة، وحياة الحمير والماعز والبط.. كانت بالنسبة له غريبة وجديدة، لفت نظره أنه لا واحدة ترتدى غطاء على الوجه، لكن حين يوجّه العدسة إليهن يضربن خمرهن على وجوههنّ لكى يكتمل المشهد.. فالمسألة ليست عفة ولا سترة بقدر ما كانت «كسوفًا» من رجل غريب.
الصور ذاتها سجَّلت أن سيدات القاهرة لم يسلمن من التحرش، يرتدين البيشة والخمار وعباءات سوداء ثقيلة لا تصف ولا تشف.. لكن عيون الرجال ذوي الطرابيش تلاحقهم فى الشوارع.. والحارات.. وتغريهم بدخول الحانات والبارات.. هناك من تقبل، ومن تتمنّع.. وهنا لسن راغبات.!
ولدى «بريسون» تعليق على الصور يقول فيه: «يسمى الناس هنا بفئران القبور، حيث إنهم يحفرون باستمرار ويجدون مقابر جديدة يزيدون بها دخلهم الضئيل. وقد بنت الحكومة لهم قرية جديدة، ولكنهم أصروا ألا يغادروا بيوتهم القديمة، ويبررون ذلك بقولهم: «إذا لم نبق هنا، سيأتى اللصوص من الخارج: من الجنوب والشرق، ومن الغرب والشمال، فمن الأولى أن نبقى هنا ونواصل أكل عيشنا بهذه الطريقة، لأننا حماة القبور الأصليون».
بعد رحيل المصور الفرنسى بـ٦ سنوات، جاء ديفيد سيمور لتصوير «حرب ٥٦».. لم يكن مهتمًا بضرب النار، وقذائق المدافع، ورصاص البنادق والجثث والأشلاء المتطايرة، همه الأول كان البشر.. انفعالاتهم ولحظات الهزيمة التى تلاحقهم، والآثار الجانبية للحرب عليهم.
دخل «سيمور» عالمًا خاصًا، من يضع قدميه فيه يدمنه، لا يستطيع الخروج، والتقط صورة هى الأهم لسيدة من بور سعيد بعد قصف المدينة على أيدى عساكر العدوان الثلاثى مباشرة، كانت ترتدى ملابسها كاملة، وتحمل كرسيًا خلال نقل «عزال» البيت المنهار من أثر الرصاص والمدافع إلى مكان مجهول طلبًا للستر. هذه الصورة تعبر عن «هوانم القاهرة» تمامًا.. فى حالة حرب لا تنتهى.. ولن تنتهى أبدًا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى