رجاء البوعلي - السعودية - " وكالة أخبار المرأة "
تتضح عقلية الكاتب من بين سطوره، فالقارئ قادر على وضع المادة المكتوبة تحت المِجهر. مِجهر الفِكر؛ فكل تضاريس الفِكرة تتجلى. هكذا قدم عبدالله العلمي كتابه الثاني «امرأة خارجة عن الأعراف: المرأة السعودية؛ الواقع والتحديات» الصادر عن دار الساقي. في هذا الكتاب، الذي يضم 27 عنواناً، يكشف العلمي الغِطاء عن كثير من القضايا التي غيبتها أصوات الدفاع عن «حقوق المرأة»، التي توحي بأنها تقف عند قيادة السيارة وحرية ارتداء الحجاب أو خلعه فقط! إذ طرح إشكالات حقيقية تستتر خلف قضايا المرأة السعودية، وانطلق من أساس هذا البناء الفِكري المائل: أولاً، الفهم المغلوط. ثانياً، سوء الظن بالنساء.
ثالثاً، هيمنة الفكر الذكوري. بدأ بإشكال تلبيس الأعراف الاجتماعية السُترة الشرعية، ما يصنع لها سلطة مهيمنة على الفرد، فلماذا نبقى أسرى لها؟ لتجعلنا ندور في حلقة مُفرغة من التقدم العلمي والإنتاج الفكري واستثمار النوع الإنساني. إذ ذكر العلمي حادثة منع عضو مجلس الشورى الدكتورة خولة الكريع والروائية المصرية الناقدة هويدا صالح من الجلوس على منصات العرض الرئيسة للمشاركين في معرض الكتاب بالرياض 2014، كمثال على تمييز المشاركة النسوية بشكلٍ غير مماثل للرجل!
وناقش العلمي «الولاية والوصاية» بأساليب وصور، مفهوماً تم تضخيمه وإسقاطه على ما ليس منه، وسحبه على كثير من جوانب حياة المرأة السعودية عمداً. هكذا يسير الفِكر مُضاداً للإيديولوجيات، التي تشربت التمييز على مدى عقود من الزمن، حتى صارت تُسلم به وتدافع عنه بدون شعور.
وتأكيداً لذلك تطرق العلمي لوقائع أليمة حول «الوصاية والولاية»، أذكر منها: لجوء السجينة بعد انتهاء محكوميتها لدار الضيافة للعيش فيه، لعدم حضور أي «ولي أمر» لتسلمها. إنها صدمة أكبر من سابقتها، أن تقف عند باب الحرية وقد تخلى عنك الجميع، فتضطر لدخول مكاناً مغلقاً أيضاً، فولي الأمر تخلى عنكِ وحريتكِ رهناً بيده! «الابتعاث»، إضافة إلى تفاصيله وإجراءاته وتحدياته وإنجازاته، فهو متباين بحسب النوع، «المبتعثة» في حاجة إلى «ولي أمر: رجل» حماية لها من نوازل السفر والغربة والشياطين وفساد الأخلاق وضياع الدين» بينما «المبتعث» ليس في حاجة إلى كل هذه الحماية. وناقش العلمي رؤية الدكتورة هتون الفاسي حول حصول المرأة على حقوقها، كما استعرض تجربة الصحافة ودخول المرأة عالم الإعلام والثقافة منذ أوائل الستينيات على يد سلطانة السديري، الأمر الذي لم يخلو من الصعوبات والتحديات.
وتطرق المؤلف إلى حقائق متعلقة بالتربية والتعليم، كبعض السلوكيات المُمارسة تجاه طالبات المدارس والجامعات، وتعيين المعلمات في مناطق بعيدة، ما يُعرضهن لحوادث وطوارئ شاقة وعسيرة أثناء السير أو الحياة هناك.
وهنا تبدو مُفارقة، فالمرأة تتحول لكاملة الأهلية بالانفصال عن البيت والعيش بحسب ظروف مكان عملها - بين ليلة وضحاها - بصرف النظر عن كُل الشكليات والإطارات المجتمعية السائدة، كالتشاؤم بالفساد الأخلاقي ومشقة تيسر شؤون الحياة، علماً بأن هناك ضحايا ماتت على تلك الطُرق الوعرة! ولكن الأسرة والمجتمع ستغمض عيونها بُحب وسلام أمام إغراءات الراتب «المال».
تناول العلمي غالبية مشكلات المرأة، كالنفقة والطلاق والخلع والعنف بأنواعه كافة، وكذلك ملف إدخال «رياضة البنات» في مؤسسات التعليم، واستطاع اختزال شكل آخر من أشكال الظلم المجتمعي، بمقارنته مصطلح المرأة «العانس» بالرجل «الأعزب»! فليس هناك رجلاً «عانس» بل أن اللفظ قصد المرأة علماً بأن الحال الاجتماعية واحدة. وذكرنا الكاتب بردة الفعل بعد فوز نشوى طاهر ولمى سليمان بانتخابات الغرفة التجارية بجدة عام 2005، ليجعلنا نتأمل تطور فوزها بانتخابات المجالس البلدية مؤخراً.
مُحاكاة كاتب سعودي لدقائق امرأة مجتمعه بهذه الكيفية، تُظهر حقيقة أخرى أمام الأعين، وهي وجود الرجل السعودي المُناهض للعقلية الذكورية المُختمرة منذ القِدم، وهذا ليس تجميلاً للملامح الفكرية الحاضرة في الوسط السعودي، بل هو اعتراف بأقلية رجالية واعية بأهلية المرأة الكاملة، ومناوئة لسطحية الرؤيا والظلم الاجتماعي. عبدالله العلمي قدم في كتابه الحس الإنساني والوعي الفكري والنقد البناء والرؤية التحولية بهدف تصحيح المسار لإشراقة آتية لا محالة.