الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

امرأة بريطانية في حريم تركيا

  • 1/2
  • 2/2


د. أحلام محمد علاقي - السعودية - " وكالة أخبار المرأة "

من أشهر النساء في أدب الرحلات والاستشراق ليدي ماري منتاجو المولودة في 1689. ورغم يتمها فقد كانت فتاة ذكية، علمت نفسها اللاتينية وقرأت بالإنجليزية والفرنسية، وكعادة الفتيات المرفهات ذلك الوقت كانت تحظى بالجلوس في الصالونات الأدبية.
قابلت إدواد مونتاجو وهو من عائلة ثرية وتقدم لخطبتها ولكنه لم يتفق مع والدها بخصوص تقسيم الممتلكات والذي كان جزءا أساسياً يومها من الارتباط بين العوائل، عارضت عائلتها لتفر معه ولكن علاقتهما ظلت متوترة حتى بعد ولادة ابنهما لانشغاله في السياسة. وعندما وجدت نفسها في لندن المفعمة بالحياة والحيوية انضمت للحركة الثقافية والفكرية والأدبية النشطة وقتها وصار من زملائها ألمع الأسماء الأدبية مثل الكساندر بوب الشاعر الشهير وهنري فيلدنج وريتشارد ستيل وجوزيف أديسون. لم تبدأ ماري وقتها بطباعة كتاباتها واكتفت بنشرها بين الأصدقاء.
أصيبت ماري بالجدري الذي شوه جلدها وأفقدها حواجبها وسبب المزيد من التوتر بينها وبين زوجها، ولكن بعام 1716 نقل زوجها لتركيا كسفير وكان ذلك انتقالة نوعية لبلد بعيد مليء بالغموض والسحر. جاءت حياتها الجديدة في تركيا كبلسم لجراحها فتعلمت اللغة والشعر والثقافة التركية. ثم عادت لبريطانيا مع زوجها، فظلت بحالة حزن ورفض ونشبت وقتها معارك بينها وبين الشاعر بوب الذي وصفها بأنها امرأة مهملة لنفسها ولنظافتها وهو الوصف الذي للأسف يطاردها إلى يومنا هذا.
اتصفت سنواتها الأخيرة بالضياع فزادت الهوة بينها وبين زوجها، ثم سافرت إلى إيطاليا ولم تعد إلا بعد وفاة زوجها بعام في 1762 وهو نفس عام وفاتها، وكانت نهايتها حزينة قضتها في شقاقات مع ابنتها حول تركة زوجها، وفي صراع مع ابنها الذي أدمن القمار وأضاع مستقبله. انتهت الأزمة بأن ورثت الابنة معظم ثروة أبيها الطائلة وتأثرت العلاقة سلبياً وكانت ابنتها تخجل من تصرفات أمها الرعناء في القرن الثامن عشر المحافظ لدرجة أنها رفضت نشر مذكرات أمها بتركيا لخجلها من سيرة والدتها.
ومذكرات ماري مونتاجو في تركيا والتي تدعى «ذا تركيش إمبسي لترز» أو رسائل السفارة التركية- تعتبر اليوم من أهم الوثائق التاريخية في أدب الرحلات التي توضح تفاصيل حياة امرأة أرستقراطية من القرن الثامن عشر في بريطانيا والنساء التركيات المرفهات بنفس الزمن. ولعل من أشهر هذه الرسائل تلك التي تصف زيارتها للحمام التركي في سوفيا ووصفها للفضول المتبادل بينها وبين النساء هناك. تتميز كتاباتها كعهد تلك الأيام بكثرة الوصف والسرد. أرادت ماري زيارة الحمام بلا لفت الأنظار فأخذت هودجا متصلا بحصان مزخرف بالحرير ومغلق للخصوصية كالنساء التركيات. ووصفت الحمام الحجري بفخامته وبأقبيته التي تدخل الضوء ومقاعده التي تنزل إلى نوافير المياه الباردة بقنوات أرضية تجري للحجرة المجاورة ذات المياه الحاره المخلوطة بالسلفر.
تحدثت ماري عن النساء التركيات التي كن يرمقنها بلباسها الإنجليزي مخفيات فضولهن وأثنت على تقبلهن لها بطريقة متحضرة، كما وصفتها، بل إنها أكدت أنهن أكثر لباقة من الأوروبيات الفضوليات إن رأوا شخصا غريبا بملابس غير معتادة، بل لم يستغربن الكورسيه الضيق التي كانت تلبسه والذي يعد الخلاص منه معضلة. كان في الحمام ما لا يقل عن مائتي سيدة، لم تر من واحدة نظرة فضول أو همسة تضايقها. وقالت إن أجواء الحمامات التركية وشخوصها تذكرها بلوحات طبيعية كرسوم جيدو وفيشيليو فناني عصر النهضة الإيطالية. كانت النساء يمارسن الحياة الطبيعية في الحمام: يتكلمن ويضحكن ويشربن القهوة التركية أو الشربات. قارنت ماري الحمام التركي بالقهوة التي يرتادها الرجال، فهي ملتقى اجتماعي وثقافي. كانت النساء يقصدن الحمام مرة أسبوعيا لفترة لا تقل عن 4-5 ساعات ليسمعن وينشرن الأخبار ويتسلين. ربما تكون ليدي ماري ذات تمرد وجنون ولكنها أرّخت ما رأت بدقة وتلقائية خلدتها إلى اليوم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى