الكاتبة الصحفية: أمان السيد - سوريا - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "
هناك موضوع يؤرقني شخصياً، ولو أني تفسحت فيه لا أحسبه إلا وسيثير في المهتمّ بعض ما في نفسي، وقد يستثير من الأشجان ما يحزن ويعجب.
يقول الله تعالى في تنوع صفات القلوب، واستجابتها للذكر: «ثم قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» ( الآية 74/ سورة البقرة). تصوير يجعل المتدبر يتوقف خاشعا مسحورا، وقد دفعني هذا التصوير والتقسيم الرائع إلى التساؤل: هل جفاف الأرواح نقمة، أم نعمة؟ هل القسوة امتياز، ومنصب فخري يعتز بهما من يدرب نفسه عليهما حتى يصيرا سمة لشخصيته، محتجّاً أن الحياة الحالية تتطلبها، وإن لم تستطعها، فعليك أن تتخذها على الأقل قناعاً سميكا تغلف به تعاملك مع الناس وردات أفعالك، أم أن الجفاف حين تباشره يبدأ ببث سمه في روحك، وجسدك فيتآكل ببطء، وأنت غير دار إلا إن صفعك الآخر بصورتك، أو لعلك لن تشعر مطلقاً، لأنك فقدت تلك المحاكمة العقلية التي تؤسس لإنسانيتك.
ابن القيّم وصف القلب بأنه يمرض كما البدن، ويصدأ كما تصدأ المرآة، وجلاؤه بالذكر، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة، ورسخها الشافعي حين نسب العيب إلى البشر، مدافعاً عن الزمان، ناسلاً منه أية صفة معيبة.
الزمان مفهوم قدري يسير كما يريد له خالقه مبدع هذا الوجود المتقن منذ بدء الحياة على سطح البسيطة، ولم يعرف أن ميزان الكون قد اختل يوماً، رغم من عبث الإنسان فيه، كما تبين الآية الكريمة «والسماء رفعها ووضع الميزان» فما الذي أوصل الإنسان إلى مرحلة تجرد فيها من روحه، وأسبغ على نفسه من قسوة الجماد ما أسبغ؟
تدهش من الهوة المرعبة في عائلات كبيرة مثقفة اجتازت مراحل كبيرة من الوعي، حين تعلم مجافاتها بعضها حتى في أكثر الظروف روحانية، وإيمانية.
تتعجب من إنسان على مستوى من التكامل العقلي يمارس انفصاماً في شخصيته، يعايش المجتمع المحيط بطريقة، والمقربين بأخرى، وكأنك أمام كائن بوجهين، أو لعله برأسين، أو بإدراكين متباينين، أما القلب مستودع الروح كما يفترض، فلا تسأل عنه، لأنه قد أسقط من حسابات هذا المفترض به أن يوصف بشرياً، بم يغذي روحه حتى يصيبها اليباس، وما الذي ينحته فيها لتتصف باللامبالاة حتى نحو أشقاء هم من صلبها؟
الحياة سائرة على قدميها وإن حسبتها مرة عرجاء، فثق أنها تصر حتى على كرسيها النقال أن تتجه في النسق المسيرة فيه، لكن من عبّدوا أرواحهم بالإسفلت أستغرب كيف يعيشون، وبم يتنفسون، وكيف يستطيعون الحفاظ على أجسادهم سليمة بينما توجهها عقول خربة؟ كيف بإمكان مخلوق أن يعرف أن له شقيقاً أو قريباً بينهما مسافات تحسب على أصابع الكف، ويستمر في قطيعته من دون أدنى سبب؟
أوصى الحكماء: اعتد الحب، درّب نفسك عليه، ابدأه بحبك لروحك الحب السليم، ثم انتقل إلى الهواء حولك، ستخطو نحو الاكتمال حين تستنشقه بطهره.