تحقيق- إيناس طارق - بغداد - " وكالة أخبار المرأة "
لم يدر بخلدي يوما ان اشاهد بأم عيني فتيات يقمن بوضع حبوب الفاليوم مع معسل النركيله في (كوفي شوب) النساء في اعمار مختلفة يتبادلن هذه الحبوب وبشكل علني وبدون اي قيود واذا لم تتوفر يأتي بها العامل الذي يقوم باعداد الاراكيل. كانت فرصة لطرح سؤال على احدهن عن سبب فعل ذلك ولماذا الفاليوم بالذات اجابت وبكل ثقة ليس له اي ضرر بالعكس يريح الاعصاب ويقلل التوتر فهو علاج وبأي طريقة يتم تناوله له نفس المفعول والتأثير. لم استطع استيعاب الحديث للوهلة الاولى لكن بعد سماع أحاديث بقية النساء اللواتي بتن زبونات دائميات للكوفي شوب استوعبت الصدمة خاصة بعد ان قامت احداهن بذكر كل اسماء الحبوب التي تناولتها
حبوب وضحايا
هذا المكان هو من جعلني أبحث في دهاليز حبوب (الكبسلة) والمخدرات التي انتشرت بشكل كبير بين النساء تحديدا ، وان كانت بشكل مبطن تحت اسم حبوب التهدئة والنفسية. نساء يعشن واقعا مترديا وأصبن بامراض نفسية جعلتهن أسيرات للمهدئات ففي عيادة الطبيب النفسي منال محمد الواقعة في منطقة الحارثية والتي تكاد تكتظ بالمرضى واغلبهم من النساء ،لاحظت فتاة لايتجاوز عمرها (15) عاما تعاني من توتر نفسي وتهيج عصبي لايهدأ لديها إلا بعد اخذ حبوب (وريفوتريل) المهدئة لكن كثرة تناولها يؤدي الى الادمان وهذا ما تعاني والدتها منه الآن والتي ذكرت بحديثها لـ(المدى): تعرضت ضحى الى صدمة عنيفة بعد قتل والدها امامها. مضيفة: منذ ذلك الوقت تعاني من الخوف والاكتئاب وحتى عدم الذهاب الى المدرسة ودائما تستذكر الحادث وتبدأ بالهذيان والتكلم عن والدها وكيف كان ملطخا بالدماء. موضحة: ان علاجها صعب كثيرا وبدون الادوية لاتستطيع البقاء صامتة وهادئة حيث تبدأ نوبة الصراخ والهلع الذي لايتنهي إلا بأخذ العلاج. مبدية اسفها وخوفها من الحالة التي وصلتها بسبب العلاج الذي تحوّل الى ادمان.
علاج يباع بالقانون
بينما نجد نجود ذات العقد الثاني والتي كانت تنتظر دورها في الكشف الطبي حسنة المظهر تريد كتابة اسم الدواء فقط حتى تستطيع الحصول عليه من الصيدليات (وزاناكس) من العقاقير التي يكتبها الاطباء لبعض الحالات النفسية وهي متوفرة بكثرة في العيادات والصيدليات لكن الاستمرار على تناوله يسبب الادمان، نجود لم تعد تستطيع التخلي عن الحبوب للظروف التي مرت به بعد استشهاد زوجها في احدى المعارك وترك ولدان سرعان ما اخذهما اهل زوجها لتبقى تعاني من ارهاصات لم تستطع التغلب عليه إلا بتناول حبوب الكبسلة التي ادمنت وبات من الصعوبة التخلص منها.
زوجها يساعدها على الادمان
بينما حكاية عهد ربة بيت التي تتحدث بكل هدوء عن تناولها الحبوب المخدرة قائلة: لم أعد استطيع الاستغناء عنها كونها تزيل هموم مشاكلي العائلية والشخصية. موضحة: ان تلك الحبوب تحصل عليها من زوجها الذي يتناولها ايضا فهو عاطل عن العمل والذي يأتي بها وحسب مايخبرها من الجنابر الخاصة ببيع الادوية في منطقة باب الشرقي ومن القصص الاخرى التي حصلنا عليه هي من احدى المريضات بالادمان والتي رفضت ذكر اسمها وهي فتاة متزوجة تعرضت الى الضرب من قبل زوجها الذي اكتشفت خيانته لها وعندما حاولت الاتصال بعائلته قام بضربها بعصا اصيب كتفها بتشنج عضلي سبب لها ألما شديدا الامر الذي سبب لها الارهاق والقلق وعدم النوم. مبينة: في نهاية المطاف انتهى بها الامر الى أخذ حبة من مادة مسكنة للآلام (فاليوم 10) ليتحول الأمر بالتالي الى ادمان.
المقاهي ساعدت على انتشارها
تركنا عيادة الطبيب وانتقلنا الى (كوفي شوب) يقع في منطقة المنصور مخصص للنساء فقط حتى من يقوم باعداد وتقديم الاركيل فتيات اغلبهن بالعقد الاول من العمر. الهدوء يخيم على المقهى وكأن النساء أصبن بالخرس، فضاء المقهى تعلوه سحابة دخان، الحديث وطرح الاسئلة مع النساء صعب احيانا لخوفهن من كشف الاسرار وتعرضهن الى الانتقاد او العنف من العائلة او المجمتع. سها طالبة جامعية ترتاد الكوفي مع زميلاتها الجامعيات تقول منذ فترة اخذت شرب الاراكيل في المقهى او الكوفي شوب وبصحبة صديقاتي بعيدا عن فضول وتدخل الاهل. موضحة: ان لكل واحدة منهن حكاية، هي مثلا طالبة في المرحلة الرابعة كلية التربية تركها زميلها بعد ان تزوجته خارج المحكمة دون علم أهلها وما هي الا اشهر حتى وجدت نفسها مطلقة.
كبسلة ومتجارة
سها أخذت نفسا طويلا من الاركيلة ونفخت الدخان عاليا وعادت لتكمل حديثها: اصبت بالانهيار العصبي وتناولت الحبوب المهدئة التي كنت احصل عليها من بعض الصديقات ولكني لم استطع تقبل الوضع ونسيان ماحصل. مضيفة: فاخذت بتناول حبوب الكبسلة التي نحصل عليها من زميل في الكلية. موضحة: انهن يقمن بطحنها مع المعسل. هنا علقت زميلتها مناهل: مررنا بظروف صعبة اغلبهن لازلن يعانين من تجارب حب فاشلة. مشيرة: الى ان تجربة سها ليست الوحيدة بين زميلاتها. منوهة: ان حبوب الكبسلة باتت السبيل الوحيد لتجاوز الكآبة والارهاق النفسي الذي نمر به.
اما ثناء فلم تخف ان اخيها الاكبر سبب ادمانها اذ وجدت الحبوب ذات يوم في ملابسه واخذت حبة وفتحت الطريق امامها نحو الادمان. موضحة: انها اخذت تفتش كل يوم في ملابسه،حيث تجد ضالتها. مبينة: وبسبب سفر اخيها استعانت بالمضمدة في منطقتهم والتي اخذت تزودها بانواع الحبوب لتتحول هذه المرة الى المتاجرة بعد الادمان.
العلاج يتحول الى ادمان
الكثير من الأدوية أصبحت تستخدم كمخدرات، منها "لريفوتريل" الذي يستخدم في علاج الصرع و"سوما دريل" الذي يستخدم لعلاج المفاصل واللذان يحققان اعلى مبيعات في بعض الصيدليات وعيادة المضمدين وصيدليات الرصيف في الباب الشرقي. زينة ربة بيت تقول انها فقدت زوجها وابنها الصغير في احدى التفجيرات الارهابية وعادت الى بيت والدها لكنها بقيت تعاني من الأرق والخوف مسببة القلق لاهلها وبالتالي لم يكن امام والدها الا الاستعانة بالحبوب المهدئة التي تحولت بعد حين الى ادمان.
فيما تحدثت بتول قابلة مأذونة ان الكثير من الفتيات بعضهن طالبات جامعة يطلبن منها حبوب الكبسلة او المهدئات التي تستخدم في بعض العلاجات النفسية. مشيرة: الى تفشي هذه الظاهرة في الكثير من الاوساط النسائية. مشددة: على الخطر الذي تسببه للمدمنة من جهة ولعائلتها وبشكل خاص اذ كانت متزوجة. داعية الى ضرورة مراقبة مقاهي الاراكيل وبعض عيادات الممرضين والممرضات ممن فقدوا ضميرهم امام الربح والجشع.
علاج المدمنات
في ظاهرة غريبة تماما على المجتمع العراقي، انتشرت حالات الادمان على المخدرات بين النساء نتيجة للاوضاع الصعبة والقاسية التي تشهدها البلاد ، اخصائي الامراض النفسية في مستشفى ابن رشد علي عبد الرزاق ذكر في تصريح تسجيل حالات ادمان لنساء على الادوية و" الكبسلة". مضيفا: ان هناك مؤشرات على ازدياد حالات الادمان بالكحول وادوية المؤثرات العقلية وانحسار مدمني الحشيشة والافيون. موضحا: ان مستشفى ابن رشد استقبل عددا من النساء المدمنات تم علاجهن من داخل المستشفى لكن ما يزال عددهن اقل مقارنة بعدد المدمنين من الرجال.
وأكد عبد الرزاق أن هناك حالات وردت الى المستشفى من ادمان النساء على ادوية "الترامال" وغالبيتهن يعانين امراضا ونتيجة تناولهن بافراط اصبحن مدمنات، مشيرا : الى ان هناك حالات ادمان في صفوف الشباب وعددها بازدياد على ادوية السعال واللارمين والبارتزول سوبرادين والترامال وغيرها من الادوية.
نسب ادمان مرتفعة
وكان أحد المراكز البحثية الخاصة بالطب النفسي في المدينة أعلن عن تسجيل أكثر من 1000 حالة إدمان بالمخدرات في البصرة في السنوات الأخيرة، مؤكدا أن الأرقام هذه هي لشباب ومراهقين لم تتجاوز أعمارهم العشرين، وربما يكون عددهم أكثر من هذا حاليا في ضوء غياب الإحصائيات الحقيقية عن نسبة المتعاطين بالمخدرات لدينا.
ويؤكد المركز: أن موقع المدينة المجاور لدول مستهلكة ومنتجة جعل الأزمة تتفاقم، في ظل غياب المعالجات الواقعية من لدن السلطة المركزية، القضية التي دعت دائرة صحة البصرة لإطلاق حملة توعية ضد المخدرات، ضمن جهودها للقضاء على ظاهرة انتشار وتعاطي الحبوب والمواد المخدرة.
غياب التشريعات والعقوبة
المشكلة ان ظاهرة الكبسلة لم تدخل في التشريع العراقي وليس هناك اي قانون او فقرة تنص على معاقبة الذين يتناولون الحبوب المخدرة والمعروفة شعبيا بالكبسلة. والسبب انها تعد في الكثير من الحالات علاجا بالتالي اي تقرير طبي يصفها بالعلاج وليس المخدر او المسكر. وسن في العقد الثاني، ضحية أخرى لتعاطي هذه الحبوب، لكن الأسباب التي دفعتها إلى الإدمان على عقاقير الهلوسة حسب وصفها المشاكل التي تتعرض لها في البيت. لافتة: انها لم تجد وسيلة غير الحبوب التي عرفت طريقها من احدى صديقاتها المدمنات عليها. متطرقة: الى انها تنسى كل مشاكلها وهمومها لحظة تناولها هذه الحبوب التي وصفتها بالمنقذ من كل الضغوطات.
اما استبرق فقد ذكرت انها تناولت حبوب الهلوسة منذ سنتين تقريبا، منوهة إلى أن: عدم تعاطيها هذه الحبوب يشعرها بحالة عدائية تجاه الآخرين تصل الى استخدم العنف خاصة مع اخوتها الصغار. مستطردة: ان ابنة خالها هي التي فتحت امامها باب الحبوب والكبسلة بعد عودتهم من سوريا. لافتا: انها ادمنت على الحبوب ولم تستطع التخلي عنها بسهولة.
ابو الحاجب والصليب
الأنواع المعروفة في "سوق الحبوب المخدرة" تتنوع بين "الآرتين" و"الفاليوم"، والتي يُطلق عليها شعبياً تسميات تختلف باختلاف شكل الحبة، فهناك "أبو الصليب" و"أبو الحاجب" و"ألسمائي" و"أبو الطبرة" و"الوردية" وغيرها من الاسماء التي دخلت قاموس بعض النساء واخذن يتبادلن المعلومات عن كل نوع وتأثيره. كذلك ادوية الحساسية والألبريوم مهدىء الأعصاب وشراب السعال (الكحة) لدى الأطفال المعروف (توسيرام 8 ملغم) الذي يحتوي على نسبة من مادة (بلموكودين) ومقشع (كودايين) الذي يحتوي على 10 ملغم من مادة البروفين، وغيرها من العلاجات التي تستخدم في الكبسلة . الصيدلي فارس كريم ذكر ان بعض الحالات تحصل نتيجة تناول كميات مفرطة من حبوب الارمين الخاصة بعلاج الحساسية والتي تتحول الى ادمان. مضيفا: ان الكثير من الشباب والشابات يحاولون الاحتيال على الصيدلي او الطبيب بطلب حبوب الحساسية او شرابات معينة لعلاج السعال. مشيرا: الى خطورة تناول هذه الادوية التي تعتبر الخطوة الاولى في طريق الادمان والكبسلة التي تحوّل الشخص الى عالة على عائلته والمجتمع.
وبشان كيفية الحد من هذه الظاهرة بين كريم: في البدء لابد للعائلة ان تأخذ دورها بهذا الامر. مستدركا: لكن الخطر الاكبر يكون اذا كان الأب او الأم مدمنين على تناول حبوب الكبسلة. لافتا: الى اهمية ايلاء الجانب التوعوي اهمية لاجل الحد من هذه الظاهرة التي اخذت تنهش بجسد المجتمع العراقي الذي يمر بظروف صعبة ومعقدة تستوجب تكاتف الجميع من اجل اعادة النهوض به.
المدى