تخيل عزيزي القاريء انك تسمع أو تشاهد أو تقرأ في نشراتنا الجوية المحلية حيث تقول مثلا أن الجليد يغطى المنطقة العربية وان درجة الحرارة انخفضت الى 100 درجة تحت الصفر ... قد يكون هدا الكلام الشبه مستحيل على رأس قائمة النشرات الاخبارية ... والدلائل هنا لا تعد ولا تحصى .
فصورة وجه طفل مضرج بالدماء واشلاء اجساد تنتشل من تحت الانقاض , جسد شبه انسان مات جوعاً ورجل دين يذبح بعقر داره , سجينات عربيات يتناوب السجانون على اغتصابهن يومياً اهانة واذلالاً لطائفة معينة لمكون عربي مسلم , اطفال تصرخ تستنجد , رجال تدفن احياء وعوائل ضاقت بها الارض على وسعها فسكنوا العراء ...
هذه نشرة اخبار عربية عراقية سوريه فلسطينية مصرية سودانية ... صورة مؤطرة باطار واحد يسمى الانسانية ... ذلك المصطلح او التسمية لا اعرف ما اسميه ولكنني ادرك جيدا اصابته بدرجة الانجماد عند الشعوب العربية .
نعم فقد انخفضت درجة الانسانية الى الانجماد وتحت الصفر المئوي بعد ان اكتفت بال( الادانة , الشجب , التنديد , كلمات لاتسمن ولا تغني عن جوع بل لا ترتقي الى مستوى ما يسمى بالانسانية التي ضربت قوانين العالم عرض الحائط بعد استفحال اكذوبة حقوق الانسان .
وادا كان بامكان حكام الدول الكبرى او ما تسمى بالدول العظمى ان ترفع درجة حرارة او تخفضها الى ما دون الانجماد في المنطقة العربية بل وبالعالم باسره وحسبما تقتضيه مصالح بلدانها العدوانية والتحكم فى ظروف المناخ من حيث اسقاط مطرا صناعيا فى بعض المناطق التى تعانى من الجفاف او حجب الشمس بتحليق سحب فى السماء لتخفيض درجة حرارة مكان ما فى العالم , فما بال ما يقوم به حكام دولنا النامية ؟ .
فهل ماتت الإنسانية حتى بعد موت الإنسان اتراها لا زالت تلفظ انفاسها الاخيرة في السيرة والخلق الحسن في الصدقات المستمرة في الطاعات التي عملت لكنها باتت تهمش في الفرد نفسه فيصبح بدونها جماد وتحتاج من يوقظها , وقد لا تموت الانسانية المغروسة في الفطرة ولكنها خمدت حين مسك زمامها السياسي المنافق الذي حقق اعظم انجازاته في وأدها وتغاضى النظر عن ما يسمى بحقوق الانسان لتحقيق مكاسب خاصة فالمسؤول اولا ومن بعده الطوفان !!
هكذا إذنْ ما عاد الإنسانُ يستشعرُ بروح الانسانية وبتلك المعاني الصادقة التي اوهمتنا سنين طويلة بانها الضمان الوحيد لحقوق البشر , بل اصبح المسؤول مدفوع بسرعة مجنونة حارقة نحو استهلاك حقوق الانسانية بصورة رغائبية وقتية ونحو استفراغ ضرورات العمل الوظيفيِّ دون النظر العقليِّ والتفلسف والتأمُّل.
يركبُ الجنديُّ طائرته الحربية ويحلِّقُ بها في السماء ثم يقذفُ الموت على رؤوس الأبرياء وهو في ذلك يستفرغُ ضرورات عمله الوظيفيِّ ولا يُحسُّ بأدنى مسؤولية ولا يختلجُ في قلبه شيء من الإنسان المقتول في صدره .
مقتضياتُ العصر أن تكون عدمياً جامداً وبلا حس ولا تعقُّل تنساقُ كما ينساقُ البشر مدفوعين بقوة المال واللذَّة ، ثم لا تسل بعد ذلك عن شُيوع الجريمة وشيُوع الاقتتال وسيادة التخابث في لغة السياسة ولغة الاقتصاد واستخدام الدِّين لغرضيات لعينة واللعب بأرواح البشر وتأليه المال ، متاهات متشابكة من الوهم والزيف والموت ، لقد نزعَ الإنسانُ الإنسانَ من ذاته واستثمر لعنته المعتمة .
قديماً قالوا الانسانية ان تنظر بعينك وترحم بقلبك فما بال عيون بشر اعماها المال وصدئت قلوبها واوصدت بأقفال من حديد جار عليها الزمن ، حتى اعتلاها الصدأ أناس استحالوا من طبع الآدميين إلى طبع الوحوش لكن وجودهم من وقت لآخر شر لا بد منه كي ندرك أهمية الانسانية وأهمية الحياة المبنية على المبادئ السليمة والأخلاق الحميدة... لقد اسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي .