أصبح الفلسطينيون في الألفية الثالثة، وفق أقوال عديدة، هم يهود القرن الثامن عشر والتاسع عشر. هم المتهمون بأنهم يخربون العالم، وهم مصدر الشرور، وحتى أنهم مسببو الأمراض، مانعو الخيرات وحابسو الأمطار.
فبعد أن نجا كثيرون من الفلسطينيين من مجازر تهجيرهم من وطنهم، وقد بلغَ عددُ المجازر التي مورست ضدهم عام 1947-1948 أكثر من أربعين مجزرة ومذبحة، أشهرها،دير ياسين، فقد كُتبَ عليهم أن يشهدوا مجاز أخرى في هجرتهم وغربتهم أيضا، في مخيم خانيونس وغزة وتل الزعتر، وصبرا وشاتيلا.....
وفي الطور الثاني من الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، عام 2006-2007 صار سائغا أن يُهدرَ الدمُ الفلسطيني بأيدٍ فلسطينية، وأصيبَ النضالُ الفلسطينيُ بمرضٍ عُضال، وهو الانقسام الفلسطيني.؟
غير أن هذه الجرائم التي ارتكبها المحتلون والمنقسمون الفلسطينيون، لم تُثنِ الصامدين المخلصين عن مواصلة نضالهم ضد مغتصبي أرضهم وحقوقهم.
وها هو اليوم يظهر نوعٌ جديد من المجازر (البوغروم) ضد الفلسطينيين في مخيم اليرموك، ليس بيد الإسرائيليين المحتلين، بل بأيدي إخوتهم وأبناء جلدتهم وأنصارهم، فهاهم يعيشون بين المطرقة والسندان، فما أصعبَ أن يتخيلَ أيُّ إنسانٍ نفسه مكانَ الفلسطينيَّ القاطنَ في مخيم اليرموك بدمشق!!
فهم إن صار وا محايدين، أصبحوا مجهولي الولاء بالنسبة للمتحاربيْن، ولا يعترف المحاربون بالمحايدين وقت الحروب، فعليهم أن يعلنوا ولاءهم، وإلا سيصبحون أعداءً، وإن انضمَّوا إلى طرفٍ منهما، صاروا عدوا لدودا للطرف الآخر، عندئذٍ يصير قتلهم وتشريدهم واجبا! فليس أمامهم سوى خيارين: إما أن يهربوا، ويتركوا أهلهم ومتاعهم، وإما أن يكونوا شهودا على ضياع أملاكهم، وقتل أبنائهم، ثم قتلهم !!
وأخيرا...هل ما يجري في مخيم اليرموك، هو صدفةٌ فرضتها الظروف، ظروف القتال والقصف والدمار؟
أم أن ما يجري في مخيم اليرموك، هو حصيلة مؤامرة كبيرة، هدفها النهائي، التخلص من هذا المخزون النضالي الفلسطيني الاستراتيجي في سوريا؟
أم أن ما يجري اليوم في اليرموك ، ليس سوى (بروفه) جديدة، بعد نجاح البروفات التي جرت على فلسطينيي العراق والكويت وليبيا والخليج، وهذه البروفات كانت تهدف لتفريق شملهم وترحيلهم إلى دول العالم بصمتٍ، بلا ضجيج، وهذا ما سيجري في ما تبقى من مخيمات اللاجئين، بخاصة، في لبنان، والأردن، وفلسطين ومصر؟!!
أم أن لاجئي فلسطين، وهم آخر المشردين في العالم، سيصبحون متساوين مع ملايين المهجرين من أوطانهم، على يد إخوانهم، في دول الحروب والمشاحنات، مما يعني أن يتساوى مهجرو فلسطين، مع بقية مهجري العالم، كظاهرة دولية وعالمية، فحقوقهم كحقوق ملايين المهّجرين، لا تقع على عاتق إسرائيل، بل يتحمل العالمُ وزرها؟!!