الكاتب الصحفي: توفيق أبو شومر - فلسطين - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "
لا عيد، لا أرجوحة لمريم العسراء
أيامنا الممسوحة ليس لها طلاء
وأمنا المجروحة بشوكتي أيلول
ترفو لكِ المريول
بإبرة من ماء
............
أيلول غول، شوكتان من ندى، ومن أذى .
تُرى كيف استطاع الشاعر أن يجعل أخته، أختا لكل الفلسطينيين المغتربين عن أرضهم؟!
إنها مريم الشاعر، وهي في الوقت نفسه، مريمي أنا، ومريم كل الفلسطينيين .
تُرى هل كان الشاعرُ يقص حكاية أخته الحقيقة، كما هي فتاة بسيطة عسراء ، تسأله عبر الهاتف من بعيد:
يا أخي أأنت أنت ؟
أم أنه كان يرمز إلى البعد والحنين، والشوق والهجران، والمنع والتضييق والسجن والحصار، الذي يدفع الفلسطيني إلى الهروب نحو عاطفته وإبداعه، فجعل مريمه وطنه؟
أم أنه حاول أن يجعل من مريمه، علما لكل أنثى عربية، الأنثى التي حكم عليها مجتمعها أن تظل في صورتها التقليدية، صورة هوان الأنثى وضعتها، لأنها أنثى فقط:
ولم يزل زمانُك المؤنث المُهان
مشدودا إلى الإبرة والمطبخ والشموع.
ظل الشاعرُ يعزف على قيثارة ذكرياته بأصابع مريم العسراء، فهو حاضرٌ في العاطفة، غائبٌ في المكان، هروبا من المساء والغيوم:
أنت الغائب الحاضر
وأنت العلقم الكامن، في حنجرة المساء.
وحين يحُلُّ الشاعر في مريمه حلولا صوفيا، ويصبح هو مريم، وهي الشاعر، يقول:
متنا خجلا من صندلي المقطوع
من مريولك الممزوع
وهكذا دخلتُ في مخرطة النجاة
فيما مُتِّ في البيت على قيد الحياة.
أينا الشجاع أنت في ابتعادك الأليم
عن جحيم الدروس والممحاة
أم أنا الذي أخاف أن يقال: خاب؟
وحين يخرج الشاعر من حلوله، ويعود سالما، يشرع في الطيران إلى آفاقٍ متعددة متنوعة، يستخدم من ثياب أمه أجنحة، تختلف عن كل الأجنحة، يفاجئنا بمهارة جديدة، استطاع أن يخيط من ثياب أمه شفار مروحة يقول:
أخرجني الكتابُ من لائحة الضحايا
وعندما اكتشفتُ أن زهرة الربيع فوق الأسطحة تومئ لي
ولا يراها عاشقٌ سواي
فصّلتُ من ثياب أمي أجنحة
وها أنا أطير من مدخنة إلى يد.... إلى مدى
على شفار مروحة
وعندما عاد الشاعر من طيرانه على شفار مروحة، عاد فاقدا توازنه، فلم يعد يُفرق بين الحياة والموت:
خلفني المسافرون ضاربا في عتمة الزوايا
لم أدرِ ما يختفي خلف السواد
أضرحة.. أم أنني متوجٌ بزهرة الربيع
وفي مارش جنائزي حزين، تعزف قيثارة الذكريات، قيثارة الشاعر الكبير، أحمد دحبور لحنا جنائزيا حزينا، يُشيّع الشاعرُ نفسُه على وقع أنغامه الحزينة:
نمضي إلى القبور.... هذي إلى أبيها.... تلك إلى أخيها
وأسرة الدحبور، تسأل عن بنيها.... دموعها في الريح
برد على الثواكل.... ونارها تكويها.... كلٌ له ضريح
إلا الحبيب الكامل.
مَن غاب يبقى شاغرا مكانُه
ولم يعوض أحدا في هذه الدنيا أحدٌ
وفي نهاية القصيدة يُفيقنا الشاعرُ، من غفوتنا الطويلة، فيرش آخر أبيات القصيدة ماءً باردا على وجوهنا وهو يقول:
أشهد أني قد رأيتُ صوتها
صوتُها يراني
أخا بعيدا ذاهلا عن أخت
دموعُها تدلف من سماعة الهاتف
يا أخي أأنت أنت؟
هكذا أكمل الشاعر سيمفونية الحب والألم ، والضياع والتشرد، مستخدما لحنا عذبا مملوءا بألفاظ الطفولة، التي نجحت بالفعل في استرجاع زمن الطفولة الفلسطيني المشحون بالذكريات.
............................
استدراك: ( بعد بحثٍ مُضنٍ في ملفاتي، وجدت هذا النصَّ، الذي نشرتْه صحيفة الحياة الجديدة ولكنني للأسف لم أحفظ تاريخ النشر، أعيد نشر النقد في صحيفة الحوار المتمدن 12/3/ 2008)