dw - " وكالة أخبار المرأة "
كثيراً ما تتوكل المحامية كريستينا كلم بدعاوى لسيدات، تعرف كريستينا أن فرصهن بكسب القضية معدومة. تعرضت بعض تلك النسوة لتحرش ذكوري في وسائل النقل كالتحسيس والتلميس بالأيدي على أماكن حساسة من جسمهن كالمؤخرة والصدر ومناطق أخرى جد حميمية. وبعض النسوة الأخريات يتعرضن لحوادث أخرى مختلفة في الشكل وواحدة في الاتجاه. فبعد حفلة صاخبة، اضطرت أحدهن -وقد فاتتها وسائل المواصلات العامة- إلى المبيت عند أحد معارفها من الرجال. في اليوم التالي أفاقت السيدة من كابوس محاولة "الرجل اغتصابها"، وأنه وعلى الرغم من مقاومتها له "داعب أكثر مناطق جسمها الأنثوي حميميةً" حسب ما تقول المحامية كريستينا. مؤخراً، صدر قرار المحكمة وخسرت السيدة الدعوى، بحجة أن السيدة لم تقاوم الرجل، حسب حكم المحكمة.
في ألمانيا، حق الملكية مصون أكثر من الجسد؟
في ألمانيا كان القانون قبل تعديله يوم أمس (السابع من يوليو/تموز) – يعتبر العملية الجنسية اغتصاباً فقط في حال قاومت الضحية أو استخدم الجاني العنف أو التهديد ضده، ولا يعتبر مناشدة المرأة للرجل بالتوقف عن محاولته اغتصابها أو بكاءها يكفيان لإدانة الفاعل. وحتى القيام بالتلمس والتحسس للأعضاء الجنسية للمرأة لا عقوبة قانونية عليه. "باختصار:في ألمانيا، حق ملكية الأشياء المادية مصون أكثر من حرمة الجسد"، تقول المحامية والمدافعة عن حقوق المرأة، كريستينا كلم.
بانتظار المصادقة على ميثاق اسطنبول!
بالنسبة للنساء، فإن ما مررنا به من تجارب في مثل هذه القضايا جد سيئ. وتسمع المحامية من النسوة قولهن "كيف يسمح القانون للرجال بفعل فعلته بهذه البساطة". ولذلك تناضل الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة منذ وقت طويل لتعديل "قانون عقوبات الجرائم الجنسية". ويعود سبب سعيهن لتعديل القانون أن النسوة غالباً ما يقعن تحت تأثير الصدمة، أو لا يدافعن عن أنفسهن، لاعتقادهن أن المقاومة ممكن أن تدفع المغتصب لارتكاب ما هو أفظع من الاغتصاب فقط. من الناحية القانونية فإن القانون يعود "للعصور الوسطى" حسب ما ترى الناشطة وأحد مطلقات حملة "لا، تعني، لا"، كرستينا لونز.
وحسب لونز فإن إحدى صديقاتها اُغتصبت ولم تتقدم بشكوى على الفاعل. "تعتقد صديقتي أن طريقها مسدود، ويعود اعتقادها لعدم امتلاكها إجابة على سؤال: لماذا لم تدافعي عن نفسك؟". الناشطة لونز غاضبة من الوضع، فألمانيا وقعت عام 2011 على "ميثاق اسطنبول لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري"، غير أنها لم تصادق على الميثاق حتى الآن. وحسب الميثاق المذكور فإن أي اتصال جنسي لا يتم برضا الطرفين يعد جناية.
نقطة التحول: حوادث التحرش الجنسي في رأس السنة في كولونيا
أعدت وزارة العدل الألمانية في السنوات الماضية أول مشروع لتعديل القانون. "كان مشروع القانون شوكة في عين الكثير من أعضاء البرلمان"، على حد تعبير إيفا هوقل، نائبة رئيسة كتلة الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، في البرلمان الاتحادي الألماني (بوندستاغ).
ثم جاءت حوادث التحرش الجنسي في رأس السنة في كولونيا، بعدها تلاشت معارضة أعضاء البرلمان من الرجال بين ليلة وضحاها. بالطبع بات ما حدث في رأس السنة معروفاً للقاصي والداني: قامت مجموعات من الرجال من شمال إفريقيا بالتحرش وسرقة النساء. بعد هذه الحادثة ساد نقاش كبير في ألمانيا ومن هنا عاد موضوع تعديل "قانون عقوبات الجرائم الجنسية" إلى دائرة النقاش العام.
وفجأة أرسلت وزارة العدل الألمانية في مارس / آذار الماضي مسودة مشروع تعديل القانون إلى رئاسة الحكومة الاتحادية. غير أن الكثيرين انتقدوا المسودة، لأنها-حسب اعتقادهم- غير كافية وغير متشددة لردع المغتصبين والمتحرشين. دارت بعد ذلك نقاشات مطولة حتى توصل الائتلاف الحاكم إلى الصيغة التوافقية، التي أقرها البرلمان (الخميس السابع من يوليو/تموز الجاري). بيّد أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يتمنى أن يتم استشارة "مجلس الولايات" أيضا. وهذا ممكن فقط بعد العطلة البرلمانية في ألمانيا.
"نقطة مضيئة وتغيير جذري"
سيكون تعديل القانون الجديد بمثابة مَعْلَم ونقطة مضيئة في تاريخ ألمانيا، ألمانيا التي ظل الاغتصاب الزوجي (ممارسة الجنس مع الزوجة رغماً عنها) حتى 1997 جريمة لا يعاقب عليها القانون، حسب ما ترى النائبة هوغل والشعور بالفخر باد على محياها. وينص التعديل على أن كل من يتجاهل الرغبة الواضحة للضحية بعدم الرغبة بالجنس والاقتراب منها، سيتلقى عقوبة سجن قد تصل إلى خمس سنوات. ووفق التعديل القانوني الجديد فإن مجرد التعبير عن الرفض لفظياً بكلمة لا، فإن ذلك يكفي للتعبير عن رفض الضحية للجنس وعدم الاقتراب منها. وعلاوة على ذلك، ونتيجة لأحداث رأس السنة في كولونيا، فقد تم اعتبار التحرش الجنسي جريمة جنائية.
وقد رحبت الجهات المدافعة عن الضحايا من النساء، ك "جمعية الخاتم الأبيض الألمانية لمساعدة ضحايا الجرائم ومنع ارتكاب الجرائم" و"اتحاد القانونيين الألمان"، بكل التعديلات الجديدة على القانون، وهي التي سعت طويلاً للوصول إلى هذا اليوم. وقد وصل الأمر بداغمر فرويندنبيرغ إلى التحدث عن حصول " تغيير جذري" بما يخص "قانون عقوبات الجرائم الجنسية" في ألمانيا. غير أن داغمر، التي ترافعت في الكثير من قضايا العنف الجنسي والتي تعمل في الوقت الحاضر كمتحدثة باسم الضحايا، شككت أن هذا التعديل سيقود أوتوماتيكياً إلى المزيد من حالات الإدانة للجناة. حسب معطيات جمعية الخاتم الأبيض فإن ستة بالمئة فقط من الجرائم الجنسية يتم تقديم شكوى بها. وترى داغمر أن هذا الأمر لن يتغير كثيراً في القريب العاجل. "يتوقف الأمر على الضحايا، اللواتي يخشين من التقدم بشكوى"، تضيف داغمر موضحة.
في غالب الأحيان تخجل الضحايا من كشف الأمر على الملأ، وكما أنهن لا يرغبن بعيش الصدمة النفسية من جديد وذكرياتها خلال المحاكمة. وتضيف داغمر أن إثبات الجرم الجنسي صعب جداً، لأن الجريمة تتم غالباً بدون شهود، لينتهي الأمر بالقضية إلى "اتهام الضحية للجاني وإنكار الجاني للحادثة، ولا أدلة أو شهود. ويطوى ملف القضية".
بالنسبة للبعض فقد ذهبت التعديلات مذهباً بعيداً في التشدد. فالمحامية كريستينا كلم ترى أن التهديد بعقوبة السجن سنتين على ارتكاب الاغتصاب بدون عنف هي عقوبة عالية. "هذه نقطة إشكالية لأنها لا تفسح المجال للحكم مع إيقاف التنفيذ". وكذلك ترى كريستينا كام أن ربط قانون العقوبات الجنسي مع قانون الإقامة في ألمانيا، بحيث تؤدي الإدانة إلى سرعة ترحيل وإبعاد الجاني من البلاد، هو أمر خاطئ. "بالتأكيد لن يساعد الإبعاد والترحيل أي ضحية"، حسب اعتقاد المحامية. ورغم كل ملاحظاتها ترحب كريستينا كلم بهذا التغيير الجذري، الذي يحمله التعديل في القانون. سيكون بوسعها أن تقول للكثير من موكلاتها بأن هناك آمل بربح قضاياهن أمام المحكمة.