عبد العزيز بودرة - المغرب - " وكالة أخبار المرأة "
برزت الحركة النسائية المغربية بشكل ملفت خلال الثمانينات وبداية التسعينات، واستطاعت بفعل نضالاتها أن تنتزع حقوقا كانت إلى عهد قريب من الطابوهات المحرمة.
كان هاجس النساء المغربيات في البداية هو إسماع صوتهن والتعريف بقضاياهن وإثارة الرأي العام الوطني والدولي إلى الوضعية الهامشية التي يعشن فيها، فاتخذت أشكالهن النضالية طابعا نخبويا، حيث اتجهت فئة من النساء المثقفات إلى إصدار بعض الجرائد النسائية قصد نشر الوعي وكسب أصوات إضافية لصفهن، فجاء إصدار جريدة "نساء المغرب" وجريد "8 مارس" ...
لكن بعد تطور النسيج الجمعوي النسائي بالمغرب، بدأت تظهر ملامح حركة نسائية ذات أبعاد سياسية وحقوقية، بلورت مطالبها في إطار مذكرات مطلبية ودعمتها بالإنخراط في عمل القرب والإنتظام في مسيرات ومظاهرات احتجاجية.
ومع انتزاعها لمدونة الأسرة وحصولها على كوطة متميزة في المجالس المنتخبة، قطعت المرأة المغربية أشواطا كبيرة نحو تحقيق المناصفة والمساواة مع الرجل، بالرغم من أن هذه الأهداف تظل بعيدة المدى لكونها مرتبطة بالبنية الثقافية وطبيعة التفكير الذكورية للمجتمع المغربي الذي لا يزال غير قادر على منح المرأة تلك المكانة المتميزة.
أمام هذا الوضع واصلت المرأة المغربية نضالاتها من أجل انتزاع كل حقوقها، بما فيها تلك التي يعتقد البعض بأنها تخالف تعاليم الشريعة الإسلامية، وهكذا وجدنا بعض الأصوات النسائية تنادي بضرورة إعادة النظر في قانون الإرث، والبعض الآخر يتحدث عن حق المرأة في الإمامة في الصلاة ... وغيرها من الحقوق التي غالبا ما تصطدم بفتاوى الفقهاء ونظرة المجتمع الدونية اتجاه المرأة.
في خضم هذه النضالات والإستغلال الأمثل لكل المناسبات، أعتقد بأن المرأة المغربية أو الحركات النسائية المغربية بشكل أدق، قد فوتت جنازة المغني الأمازيغي محمد شاشا، فالمناسبة لم تكن مجرد تشييع جثمان مناضل ومغني ومفكر كبير إلى مثواه الأخير، بل كانت وكما أراد الراحل فرصة لكسر مجموعة من الطابوهات، فمحمد شاشا عاش مشاكسا ومات مشاكسا، وقبل وفاته أوصى بحضور النساء في تشييع جثمانه، وبتواجدهن أثناء عملية الدفن، وهو ما تم بالفعل، امتثالا لإرادته وبحضور والدته وبعض مناضلات الحركة الأمازيغية، وفي غياب تام لأي جمعية أو حركة نسائية …
فالمرأة المغربية التي تناضل من أجل المناصفة والإصطفاء جنبا إلى جنب مع الرجل، لم ترى في الحضور إلى المقابر مكسبا لها، ولم تفهم مغزى الزغاريد التي ودع بها الفنان محمد شاشا في مسقط رأسه، خصوصا وأنها كانت أمنية حياته، وهي أمنية تتعدى مطالب ومكاسب الحركات النسائية المادية، تتعدى سقف المطامح الخبزية التي تقف عند الحق في حصد المناصب والظفر بالشواهد والتكريمات والتواجد في المجالس المنتخبة والهيئات المسيرة، وهي مطالب ومطامح النخبة. بينما ناضل شاشا وآمن في حياته بقاضايا كبرى وبحقوق نسائية تخص العامة.
فحق تشييع المرأة مثلا لجثمان أبيها أو إخوانها أو زوجها، هو حق تتساوى فيه المرأة القروية والحضرية والمرأة القيادية والعادية، وحرمان المرأة من هذا الحق يزكي نظرة المجتمع المنحطة صوبها، خصوصا وأن هذا الحرمان تم بموجب أحاديث ضعيفة أو على الأقل أقل وزنا من الآيات التي تتحدث عن الإرث مثلا والذي كان ولا يزال من صلب اهتمامات الحركات النسائية.
هذا الإنزلاق وراء الأمور المادية والمطالب الفئوية لم ولن يصحح نظرة المجتمع صوب المرأة، والتي يعتبر المدخل الوحيد لأي مساواة حقيقة بين الجنسين، فالمساواة بين حواء وآدم أكبر بكثير من مجرد المناصفة في المناصب، فوجود كوطة نسائية وإن كانت بنسبة 50% فإنها لن تزيل التمييز عن المرأة كما يظن البعض، بل الكوطة ستعمق دوما هذا التمييز وستكشف بوضوح شساعة الهوة الموجودة بين الذكر والأنثى.
لقد كان على الحركات النسائية بالمغرب أن تلتقط هذه الفرصة وتشارك في هذه الجنازة وتخلد هذه الذكرى التي ثارت عن التقاليد وخلخلت المسكوت عنه وحطمت كل القيود الرجعية، محدثة قطيعة إبستيمولوجية مع التقليدانية، وطرحت أسئلة جوهرية بخصوص وضعية المرأة، ومدت هذه الأخيرة بالمفهوم الحقيقي الذي يجب أن تتمحور عليه نضالاتها، تلك النضالات التي تبتعد عن المصلحية، وتنخرط في كل ما من شأنه أن يجعل من المرأة كائنا منتجا، فاعلا، يقف مع الرجل جنبا إلى جنب. بعيدا عن الرؤية المحدودة التي تتبناها الوهابية والتي لا ترى في المرأة إلا أنها كائن فاقد الأهلية وتابع للرجل.
وفي انتظار أن تستفيق الحركة النسائية من سباتها وتلتفت لما جرى، يكون الراحل محمد شاشا قد كتب إسمه بأحرف من ذهب، وهو يكرم المرأة المغربية في قرية "قابوياوا" النائية وهو في طريق اللاعودة. ليبقى السؤال المطروح: هل فوتت النساء المغربيات جنازة شاشا؟
أم أن مواقف شاشا السياسية هي التي فوتت على الحركة النسائية حضور هذه المناسبة؟