من منا لا يحتاج أن يحب وأن يشعر بحب الآخرين له؟! حتى الجنين في رحم أمه يحتاج إلى الشعور بحب أمه له. بل إن هذا الجنين من المفترض أنه تكوَّن
بفضل الله ومشيئته نتاج علاقة زوجية وصفها الله عز وجل بأنها تقوم على المودة والرحمة. وفي أحضان الأب والأم يتعلم الرضيع الحب، ويتعلق بأمه وبأبيه وأسرته وبيته.. وتتسع دوائر الحب في حياته عبر مراحلها المختلفة.
إننا نحتاج إلى أن نحب خالقَنا لنعبده، حبّاً لمن خلق فسوى، ولمن أنعم نعماً على عباده لا تعد ولا تحصى. نحتاج أن نحب العلم لنقبل عليه، وأن نحب ما نعمل لنبدع ونتقن. نحتاج أن نحب أوطاننا وننتمي إليها، ونحافظ عليها. وأن نحب ذواتنا لنحميها من عادات سيئة دمرت أجسامنا وأحقاد عكرت صفو أرواحنا. وأن نحب شركاءنا في هذه الحياة، لنستمتع بالحياة معهم. إن الحب له دائرة أوسع من تلك التي نتصورها في معظم الأحيان، فكل منا يحتاج أن يحب وأن يُحَب، الحب الذي يبعث فينا الحماس تجاه الحياة، ويجعل كل الصعاب سهلة والمستحيلات ممكنة، الحب.. هذا المفتاح السحري الذي يفتح كل الأبواب المغلقة عندما يكون صادقاً، ويبث الأمل في القلوب، ويجعل الوجود جميلاً من حولنا. رائع هذا القلب الذي يستطيع أن يجدد مشاعر الحب مع كل صباح جديد، إنه الحب إكسير الحياة.
وبالرغم من أن الحب قيمة إنسانية وكذلك قيمة تدعو لها كل الأديان، وأكد عليها الدين الإسلامي ولكن يبدو أننا مصرُّون أن نعلن للعالم أننا شعوبٌ لا تعتني بالجانب العاطفي في علاقتها الإنسانية، ولدينا تصميم أن نأخذ من ديننا الاسلامي السمح المظاهر الخارجية فقط، وأن لا نستوعب إلا القشور من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالنبي الذي بعثه الله رحمة للعالمين عندما سئل عن أحب الناس إليه، كانت إجابته أنها عائشة رضي الله عنها، وكان يدلل ابنته فاطمة ويقبلها بين عينيها وكان يمسح بيده وبكل الحب والحنان على رأس اليتيم وبكى عليه الصلاة والسلام لفراق وطنه الذي يحبه مكة المكرمة، وكان وهو الزوج الشاب تحتل زوجته السيدة خديجة سيدة نساء العالمين، مكانةً عظيمةً في قلبه في حياتها وبعد مماتها. وهي الزوجة التي كانت قد تكبره بما يقارب خمسة وعشرين عاما،واستطاعت أن تمارس أعمق معاني الحب بدفئها واحتوائها وتدعيمها لزوجها الشاب قبل وبعد النبوة.
وفي سير الصحابة نجد قصصاً لعلاقات زوجية تغنّى الشعراء بقمة مشاعر الحب بين طرفيها. فديننا في الحقيقة هو دين الحب..فلماذا نصر أن نعطي صورة عن ديننا تبعد عن هذه الصورة الإنسانية الرائعة؟. ضعوا بذور الحب بكل أنواعه في كل أرض تمرون بها لتحصدوا ثماره في كل مراحل عمركم بل وبعد رحيلكم...
عبير الكلمات :كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل
نقل فؤادك ما أستطعت من الهوى فالحب دوما للحبيب الأول