الصورة المثالية التي يرسمها المجتمع للرجل، تختلف عادة كل الاختلاف. فالرجل المثالي هو الرجل العدواني المقتحم المقدام القانص الغازي المنتصر الصياد الماهر القادر على انتزاع ما يريد من الحياة، وعلى املاء وجوده وارادته وافكاره على الاخرين – وهو القوي الذي لا يضعف والصلب الذي لا يلين، الذي تندرج عدوانيته كسمة لازمة من لوازم رجولته او ذكوريته - - والرجل عادة ما يتبنى الصورة التي يواجهه بها المجتمع سواء كان قادرا على تمثيل هذه الصورة نفسيا او لم يكن، وهو عادة يتظاهر بتبني الصورة ليتواءم مع مجتمعه الذي يدفعه دائما وابدا تجاه المزيد من التبني لهذه الصورة.
والصورة المثالية التي يطرحها المجتمع للرجل وللمرأة تتسق مع حاجات هذا المجتمع في كل مرحلة من مراحل تطوره – وهي صورة تتغير مع تغيير حاجات هذا المجتمع – وقد يتطلب المجتمع من الرجل الفاعلية والايجابية في مرحلة، وقد ينكر عليه هذه السمات ويسلبها منه في مرحلة تالية - - وما دام خط التطور في المجتمع الطبقي خطا صاعدا، استمرت حاجة هذا المجتمع لفاعلية الرجل وايجابيته والى سلبية المرأة وانصياعها – والمجتمع الطبقي في حاجة الى هذه الايجابية لضمان تطور اقتصاده ومؤسساته السياسية ولاجتماعية والثقافية والى تلك السلبية لضمان اسس الملكية الفردية التي يستند اليها.
اما اذا بدأ خط تطور المجتمع يعاني الهبوط بدلا من الصعود ودخل هذا المجتمع ازمة من ازماته الخانقة، اصبحت فاعلية الفرد وايجابيته عنصر تهديد لهذا المجتمع وتوقف امكان استمرار نظام هذا المجتمع على شل فاعلية الرجل وايجابيته وتحويله الى انسان مسلوب الذات والارادة، تملي عليه السلطة تفكيره ومشاعره وارادته وفعله – اي على تحويل هذا الرجل الى شئ.
وقد تصاعدت ازمة مجتمعنا العربي حتى بلغت اوجها في العقد الاخير وتمخضت عن عملية قمع مادية ومعنوية شرسة تواضعنا على تسميتها بازمة الحرية والديمقراطية- وتحت وطأة هذه الازمة تتحطم الاطر التقليدية للمجتمع العربي، وتتحطم بالتالي الصورة التقليدية للرجل والصورة التقليدية للمرأة، وهذا يعني سلب الانسان حريته سواء كان رجلا او امرأة وتحويله بالتالي الى شئ. يمارس القهر المادي والمعنوي على كل المستويات.
ان حرية الانسان تتمثل اولا في ذات حرة قادرة على ان تصدر من فكر مستقل ومشاعر مستقلة وفعل مستقل - - وتتمثل ثانية في قدرة هذه الذات على الدخول في علاقات صميمية مع المجتمع والناس من حولها، علاقات تغتني بها الذات وتغنى الاخرين.
وبدلا من الوعي المستقل الذي يصدر عن الذات يحل الوعي الزائف الذي تغرسه وسائل التربية والاعلام والتقاليد بداية بالاب وانتهاء بأعلى هرم السلطة وبدلا من القدرة على التفاعل الخلاق مع الاخرين والمجتمع يصيب الفرد بحالة الشيئية والاغتراب التي يستحيل في ظلها ازدهار علاقة انسانية او اجتماعية - - وفي ظل هذا المناخ من القهر تضيع القيم ويشيع الشعور بالاحباط وينفجر هذا الشعور عنيفا مجنونا في محاولة لتدمير الذات وتدمير الاخرين. وتتحكم الصورة التقليدية للرجل كما تتحطم الصورة التقليدية للمرأة. ويصاب الادب والاديب بالدوار وهو يحاول الامساك بواقع تحللت اطره.
وقد ادى هذا الوضع بالنسبة للمرأة العربية الى حدوث ازمة في الحرية العربية.
ويتأثر وضع المرأة ودورها في المجتمع بوجه خاص بالثقافة والحضارة التي تعيش فيهما. فالثقافة هي المحك الرئيسي في تكوين الشخصية، فشخصية المرء نتاج اساليب التنشئة الثقافية والحضارية – والفروق بين الجنسين – الرجل والمرأة – تفسير في ضوء المستوى الثقافي والحضاري للمجتمع، علما ان البحوث السيكولوجية الحديثة قد اسفرت عن انه في مراحل العمر المبكرة تتفوق الاناث على الذكور في مستوى الذكاء العام، وان الذكور يتفوقون على الاناث في نهاية مرحلة المراهقة وبد سن الرشد - - كما اثبتت بحوث اخرى ان الاناث اكثر قابلية لتأثيرات المجتمع واكثر توافقا معه، ويقبلن ما رسمه لهن المجتمع من دور خاص بهن كإناث يتلخص في السلبية والتبعية، وفي تهيئة ا لدور الخاص بالانثى كأم او زوجة وربة منزل، خاضع لسيطرة الرجل.