طهران ــ فرح الزمان شوقي - " وكالة أخبار المرأة "
لم تعد ذاكرة الإيرانية منيرة غرجي تسعفها. إلا أن تاريخ هذه المرأة يعد كافياً، وهي الوحيدة التي استطاعت أن تحتلّ مقعداً في مجلس خبراء الدستور
تكرّر اسمها كثيراً في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعدما سمح للمرأة الإيرانية بتسجيل اسمها للمشاركة في انتخابات مجلس خبراء القيادة، وهو الاستحقاق الذي جرى في شهر فبراير/شباط الماضي، لاختيار أعضاء من علماء الدين المشرفين في هذا المجلس على تعيين المرشد الإيراني الأعلى. وعلى الرغم من أنهن لم يستطعن الحصول على أي مقعد أو تجاوز الامتحان الذي يحدد قدرتهن على الاجتهاد وكفاءتهن الدينية والفقهية، إلا أن هذا ذكّر كثيرين بامرأة قد تكون غابت عن الأذهان منذ سنوات، وهي منيرة غرجي.
غرجي هي الإيرانيّة الوحيدة التي استطاعت أن تحتلّ مقعداً بين الخبراء، لكن ليس في مجلس خبراء القيادة، بل في مجلس خبراء الدستور الإيراني الذي شكّل مباشرة عقب انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وقد اختير أعضاؤه باقتراع شعبي ليتولوا مهمة صياغة الدستور الجديد في ذلك الوقت. وبعدما تجاوزت صعوبات كثيرة، جلست غرجي على مقعدها في مجلس مكوّن من رجال دين وحقوقيين، ونجحت في الانتخابات على الرغم من أنها لا تحمل شهادة جامعية، وكانت قد واظبت على دراسة العلوم الدينية في صغرها.
غرجي من مواليد عام 1929، وتتحدّر من منطقة عين الدولة الواقعة في العاصمة الإيرانية طهران. تزوجت في الخامسة عشرة من عمرها. تنتمي إلى عائلة متديّنة كانت تحرص على تثقيف وتعليم وزيادة وعي أفرادها دينياً. قرأت القرآن في عمر صغير، وواكبت الأحداث السياسية التي عصفت بالبلاد وهي في مرحلة الشباب.
تبدو حياة غرجي مليئة بالأحداث. هذا ظاهر على ملامحها، وإن كانت ذاكرتها قد بدأت تخونها. تقول لـ "العربي الجديد" إنها كانت تذهب إلى المدرسة في زمن الشاه رضا خان. تذكر أن التقاليد والأعراف كانت تحكم عائلتها، لافتة إلى أنها عرفت القرآن حين كانت طفلة صغيرة. منذ ذلك الوقت، بدأت تهتم بتفسير القرآن.
ما لا تذكره غرجي، لكن تنقله كتب التاريخ، أنها شهدت أحداث الثورة الدموية التي وقعت في 4 يونيو/حزيران عام 1963. كانت تسكن حينها في ساحة الشهداء (جنوب طهران)، وقالت إنها رأت التعامل العدواني والدموي لقوات الشاه مع من كانوا يطالبون بحقوقهم، فاتخذت قرارها بالمشاركة بالثورة التي انتصرت بعد سنوات. تتابع أن كان لها دور فاعل في الثورة الإيرانية، وسعت إلى توعية الناس من خلال القرآن، ما جعلها عرضة للخطر.
بعد انتصار الثورة، شكّلت مجموعة صغيرة مع ناشطات أخريات، منهن مستشارة الرئيس الإيراني الحالي معصومة ابتكار. في ذلك الوقت، كتبت غرجي وابتكار ومن معهما رسالة إلى مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، وتحدثن فيها عن ضرورة أن يكون للمرأة دور أكبر في إيران الجديدة، وطالبت غرجي بالمساواة وحريات أكبر لا تتجاوز أصلاً ما جاء في الدين الإسلامي.
هذا كله لم يتوقف، حتى مع خوضها تجربة شكلت نقطة انعطاف مفصلية في حياتها، وهي دخولها إلى مجلس خبراء الدستور. الشعبية التي كانت تحظى بها، وقدرتها على تقديم خطب دينية وسياسية، ومساهمتها في التوعية الثورية، جعلها محبوبة، وقد خاضت الانتخابات وحصلت على ما يزيد عن مليون و300 ألف صوت، ودخلت المجلس لتكون المرأة الأولى والوحيدة في مؤسسة من هذا النوع حتى يومنا هذا.
هذه التجربة جعلتها عرضة للانتقادات، حتى أن بعض رجال الدين هددوا بمغادرة المجلس طالما تواجدت فيه هذه المرأة، وقالت حينها جملتها الشهيرة التي يرددها كثيرون حتى اليوم، وهي أنها ستبقى وستقوم بمسؤولياتها التي كلفها المواطنون بها، وستؤدي واجبها.
ألقت غرجي خطبا كثيرة في المجلس، منها عن حقوق المرأة الإيرانية وحقوق المرأة في الإسلام. تقول لـ "العربي الجديد" إن الإسلام لا يميز بين الرجل والمرأة، وهو ما يجب تحقيقه. بعد حلّ المجلس إبان أداء مهمته، ابتعدت غرجي عن المسؤوليات الحكومية وتفرغت للعلوم الدينية وتفسير القرآن، وألفت عدداً من الكتب. في وقت لاحق، أنشأت أول مؤسسة غير حكومية تعنى بشؤون المرأة في إيران، فأصبح مركز التحقيقات ودراسات المرأة أحد أهم المراكز، علماً أنه ينشر عدداً من التحقيقات والدراسات التي تربط دور المرأة بالدين، وتدعو إلى تفعيل دور المرأة في المجتمع.
سنوات طويلة مرّت، وبدأ العمر ينال من غرجي. بعض الإيرانيات اللواتي استطعن تحقيق أحلامهن يتذكرنها، منهن مستشارة الرئيس الإيراني الحالية لشؤون المرأة شهيندخت مولاوردي، والتي أقامت مراسم تكريميّة لغرجي أخيراً.
وتقول ابتكار إن غرجي استطاعت رفع صوتها بجرأة مستخدمة القرآن، وكانت الأولى التي فسرت القرآن بالقرآن. سعت إلى إثبات أن الإسلام لا ينتقص من حقوق المرأة، وهي "مهمة شاقة".
العرببي