أي تناقض وإهانة أكبر من إجراء عملية الختان لضمان فقدان إحساس الفتاة بأيّ رغبة ولذة جنسية ثم يلومونها ويعاقبونها على برودها الجنسي.
منذ أكثر من ثلاثين عاما انتقدت الباحثة المصرية والروائية نوال السعداوي عمليات الختان لدى الفتيات الصغيرات واللاتي تتراوح أعمارهن بين خمس سنوات إلى خـمسة عشر عاما، وأثارت كتابتها ضجة كبيرة في حينها، وفق العقلية المتعفنة السائدة بأن تلك العملية تصون شـرف الفـتاة وتمنعها من الانـحراف.
والختان هو استئصال عضو البظر والشفرين الصغيرين لدى الأنثى لضمان وتأكيد عدم إحساسها بأيّ شهوة أو رغبة جنسية، وأول ما يجب أن يتبادر للذهن في محاربة عقلية الختان بأنها عقلية لا أخلاقية ولا دينية. ويلاحظ الآن أن الإقبال على هذه العملية يشهد ارتفاعا بدرجة كبيرة كما لو أنها عادت للانتعاش.
ومنذ أسابيع عرضت عدة فضائيات حالات وفاة بسبب النزيف أو الالتهابات بعد عملية الختان التي غالبا ما تقوم بها نساء جاهلات وبأدوات غير مُعقمة وبدون تخدير، وطبعا تُجرى هذه العملية برضى وموافقة الأهل وخاصة الأم التي تعتبر أن أهم كنز تملكه الفتاة هو شرفها، أي بتر أيّ عضو يجعلها تشعر بالرغبة في الرجل أي بشريك حياتها وزوج المستقبل.
وحصر مفهوم الشرف بعضو معين لهو أكبر عار وأكبر خطأ، لأنه لا شيء في العالم يمنع فتاة أو امرأة أرادت الانحراف من ممارسة سلوكها المنحرف حتى لو أجروا لها عملية الختان، لأن الرغبة والميل بين الجنسين يبدآن من الرأس والدماغ والإحساس، ومن الغدة النخامية المسؤولة أيضا عن الهرمونات الجنسية.
وزيادة على الأذى الجسدي والألم الفظيع الذي تتعرّض له الفتيات الصّغيرات حين تتمّ عملية الختان فإنّ الأذى النفسي لا يقلّ خطورة عنه، إذ تشعر الفتيات الصغيرات بأنهن نجسات وبأن ثمّة رفضا وتحقيرا لأعضاء في أجسادهن ويتم استئصال تلك الأعضاء المسؤولة عن الرغبة كما لو أنهم يستأصلون سرطانا، فتشعر الفتاة أن جسدها آثم ومُدنس، خاصة أنها تكون في عمر صغير ولا تملك أيّ خلفية ثقافية وعلمية لمعرفة الغاية من هذه العملية ولا تملك أدنى معلومات لتعترض على هذا الإجراء الوحشي بحقها والذي يتم بموافقة الأهل.
ورغم حملات التوعية والكتابات العديدة التي انتقدت عملية الختان فإنها لا تزال منتشرة بكثرة في عالمنا العربي، وتقع الفتاه التي تخضع لعملية الختان في مأزق لا تستطيع أن تنجو منه، خاصة حين تتزوج ويتململ زوجها من برودها الجنسي، وغالبا ما يطلّقها بسبب هذا البرود الذي يكون سببا في تعاسة المرأة في حياتها الزوجية، أي أنّها تدفع ثمن جرم لم ترتكبه.
المخزي والمؤلم في عقلية من يهللون لعملية الختان ويربطونها بالشرف أنهم ينظرون إلى اللذة الجنسية نظرة تحقير وخطيئة فظيعة لا تُغتفر، مع أن الحب الحقيقي بين الرجل والمرأة يُتوّج بممارسة الجنس، والرغبة الجنسية علامة صحة نفسية لدى الرجل والمرأة، وأول علامات الاكتئاب تكون في انخفاض أو فقدان الرغبة الجنسية، والغريب أو المضحك المُبكي أن الشعب العربي أكثر شعب يستعمل المنشطات الجنسية وحبوب الفياغرا أي أنه يهتم جدا بلذته الجنسية فكيف سيحصل على تلك اللذة من زوجة مختونة، ففاقد الشيء لا يعطيه.
وينعكس الخلل في العلاقة الجنسية بين الزوجين سلبا على حياتهما الاجتماعية وتربيتهما لأطفالهما، وتصبح التعاسة النفسية هي الضريبة الحتمية لعملية الختان التي يدفع الرجل ثمنها تعاسة وعدم تجاوب زوجته مع رغباته بعد الزواج. وكي يكتمل ظلم المرأة المختونة فإن الكل يلومها على عدم إرضائها لزوجها وعلى برودها الجنسي وغالبا ما يستشيرون أطباء كي يُعالجوا تلك الزوجة التي لا تشعر بأيّ إثارة أو رغبة. أي تناقض وإهانة أكبر من إجراء عملية الختان لضمان فقدان إحساس الفتاة بأيّ رغبة ولذة جنسية ثم يلومونها ويعاقبونها على برودها الجنسي بعد الزواج! ألا يخطر ببال هؤلاء الجهلة والمجرمين أنهم سبب تعاستها حين أخضعوها لتشويه في جسدها وجردوها من عضو حيوي يضمن إنسانيتها وفرحها ولذتها وكلها مشاعر مشروعة علميا ودينيا.
إن ربط الخطيئة ومشاعر الإثم بالرغبة الجنسية لهو أكبر خطأ ويجب قبل التحدث عن المخاطر والأذى الجسدي والنفسي لعملية الختان أن نبحث عن الأصل، أو منبع تلك العقلية المُتعفنة التي تعتبر الرغبة أو اللذة الجنسية خطيئة، بينما هي علامة الصحة الجسدية والنفسية المرتبطتين ببعضهما ارتباطا وثيقا.
وقد بين فرويد ويونغ والعديد من علماء النفس أن اللذة الجنسية موجودة حتى عند الأطفال الصغار، الذين يمرون بمرحلة اكتشاف أعضاء أجسادهم بما فيها الأعضاء الجنسية. إن مكافحة إجراء عملية الختان الإجرامية بحق الفتاه لا يكون فقط بالتحدث عن مخاطر تلك العملية بل يجب على الدولة أن تفرض عقوبات صارمة على كل من يجري هذه العملية. ويجب أن تتحمل المؤسسات الدينية مسؤولية كبيرة لتقاوم عملية الختان.
لأن الله خلق الرجل والمرأة ليسعدا معا ويتشاركا فعل الحب الذي يُتوّج بالجنس. وفعل الحب بعد عمليات الختان يتحول إلى تعاسة قاتلة عند المرأة المختونة. فهل ننتظر قوانين صارمة تعاقب كل من يشارك في الترويج أو إجراء عملية الختان للفتيات حتى لو كانوا أهلها. والأهم أن تقوم المدارس بدور التوعية الجنسية للطلاب وتعريفهم بأجسادهم ووظيفة كل عضو، وهذا ما يحصل في المدارس الأوروبية والأميركية من قبل مُختصين. فلماذا لا يحذو العالم العربي هذا النهج العلمي مع المراهقين والطلاب كي لا يضللهم الكبار المتخلفون والمدعون للحفاظ على الشرف.