قالت الإذاعة الألمانية، إن اللاجئات السوريات تمر بمحطات كثيرة في مصر للهروب من ظروفهن الصعبة،مضيفة أن من بين هذه المحطات، مكاتب الزواج التي تتعامل معهن كسلعة، فيصل الحل يبعضهن إلى الاقتران برجال في أعمار آبائهن. ونقلت الإذاعة، عن فاطمة.ي، الشابة السورية ذات الثلاثة والعشرين عاماً، من داخل شقة متواضعة في حي السيدة زينب بالقاهرة، بجوار زوجها الذي يكبرها بـ11 عاماً، وهي تتذكر أيامها الأولى في مصر، بأن حياتها تغيرت تمامًا. وتابعت فاطمة، أنها تقلبت من قمة اليأس إلى قمة السعادة وصولا لمرحلة الاستقرار، كما تصفها، هي تحب زوجها الذي وجدت فيه المنقذ من ظروف صعبة كادت تفتك بها، لكنها تبقى متيقنة أنها ربما الأكثر حظًا بين باقي بنات عائلتها اللاتي سلكن نفس طريقها. وأضافت :"الطريق المؤدي إلى مدينة السادس من أكتوبر في شقة صغيرة جلس فيها عدد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة من البشر يخططون لها مستقبلها وهو الزواج من مصري، لكن أي مصري سيختارها؟ السوق عرض وطلب والزواج كذلك أيضًا في هذه الشقة الصغيرة التي تحمل لافتة صغيرة على مدخلها تشرح ما يدور بداخلها، "مكتب للزواج".
"زوجي يعتني بي وزوج شقيقتي طلقها وتزوج أخرى"
وقالت:" كنا نعيش أنا وعدد من أقاربي في شقة خاوية تمامًا من الأثاث حين حضرنا إلى مصر هربًا من الوضع في سوريا، كنا حوالي 6 بنات، بالإضافة إلى والدتي وخالتي، أموالنا بالكاد كانت تكفي لدفع إيجار الشقة لمدة شهرين أو ثلاثة ولم تستطع أيّ منا أن تجد عملًا، كان وضعنا مزريا للغاية". وهنا عرضت عليهن إحدى الجارات اللجوء لمكتب زواج في إحدى المدن الجديدة على أطراف القاهرة، وبدا الاقتراح الأكثر واقعية في البحث عن منقذ. وتابعت: "تزوجت أنا وشقيقتي وإحدى بنات خالتي عن طريق مكتب الزواج، أنا مازلت متزوجة وهو طيب وحنون ويعتني بي، شقيقتي طلقت من زوجها الغني بعد أقل من سنة، وعلمت بعد ذلك أنه تزوج سورية أخرى بعدها عن طريق المكتب نفسه، وابنة خالتي لا تزال على ذمة زوجها إلا أنه متزوج ولديه أبناء لذا لا تراه كثيرًا لكنه يترك لها ما يكفيها من أموال". أما الزوج، محمد ا. فأكد أن زواجه من فاطمة لم يكن بغرض استغلال حالتها المادية الصعبة، "كي أكون صادقًا لم يكن معي ما يكفي للزواج من مصرية بكل متطلباتها من شبكة ومهر ومؤخر، راتبي ليس كبيرًا، لكني تعهدت أن أتقي الله فيها وهو ما أحاول أن أفعله دائمًا".
"الطلب على السوريات أكثر والمصري يفرض شروطه"
وشرح أحد العاملين في مكتب زواج كيف تتم العملية، وبدأ "صابر"، وهو اسم مستعار، حديثه مؤكدًا أن المكتب لا يخالف القانون نهائيًا وأنه مرخص ولا يعمل فقط في تزويج السوريات بل المصريات أيضًا، "لكن الطلب على الزواج من سوريات أكثر كثيرًا، وببساطة يأتي رجل إلينا ويطلب منا البحث له عن بنت سورية بمواصفات معينة ويكتب شروطه، وعادة تكون عدم دفع مهر أو مؤخر، كما يكون في كثير من الأحيان متزوجًا ويبحث عن زوجة ثانية، وفي المقابل تأتي لنا السوريات للبحث عن الزواج من مصري، فنقوم بعرض السوريات اللاتي يناسبن شروط الرجل عليه وهو يختار من يريد الزواج منها، وهنا تنتهي مهمتنا". وقال "صابر" إن العمولة التي يحصل عليها المكتب تأتي من الرجل وليس المرأة السورية، مضيفًا: "معظم السوريات اللاتي يلجأن إلينا ليس معهن أموالًا ويبحثن عن زوج لإنقاذهن من أحوالهن الاقتصادية الصعبة، لذا من غير المنطقي مطالبتهن بدفع أموالٍ لنا، لكن الرجل الذي يبحث عن زوجة سورية يكون على استعداد لدفع الثمن، وعلى فكرة محدش هيقولك إنه بياخد فلوس عشان يجوزهم".
"يضطر بعضهن للتعامل مع أنفسهن كسلعة ويشعرن أنهن كالفأر في المصيدة"
وتحدثت الدكتورة أمنية خالد، أخصائية الأمراض النفسية، عن التأثير النفسي على السوريات اللاتي يضطررن للزواج عن طريق مكاتب الزواج. وقالت د.خالد: "هو ليس فقط على السوريات لكن على أي إنسان يضطر للتعامل مع نفسه كسلعة ليوفر لنفسه آمانًا وحياة مستقرة نوعًا ما، وبالتأكيد أن هذا نوعا قاسيا جدًا على النفس ويجعلها تشعر بالتوتر، وهو ما يعرضها في بعض الأحيان لأن ترضى بأي شكل من أشكال الارتباط ما قد يجعلنا ندخل في مشكلة مثل فارق السن الكبير، أو أن تقبل شخص وأنت لا تشعر أنك حر في اختيارك، وبالتالي من الممكن أن تكون الطباع مختلفة، وهذا يؤدي إلى ما يسمى (الخلل في التأقلم)، ويعني أن تكون في وضع تشعر فيه كالفأر في المصيدة، لا أستطيع التأقلم مع الوضع ولا أستطيع الخروج منه، وهذا يسبب حالة من التوتر الشديد وبعض الأعراض الاكتئابية التي من الممكن أن تكون زائدة وقد تؤدي إلى حالات انتحار". وأكدت الطبيبة النفسية على أن التأقلم على الحياة في وجود فروق ثقافية قد يختلف من شخص لآخر، "لو حظها جيد واستطاعت التأقلم مع اختلاف الثقافات ستتخلص من التوتر والصدام الحضاري الذي يحدث، لكن إذا لم يحدث هذا ستدخل في ما يعرف بـ(الخلل في التأقلم)". ولا ترى د.خالد أزمة في فكرة وجود المرأة السورية كزوجة ثانية لرجل مصري، مؤكدة أن هذا ربما مقبول في ثقافتهن، إلا أنها ترى المشكلة قد تكون في فكرة زواج بعض المصريين بسوريات بشكل أشبه بـ"واحد بيصاحب واحدة لفترة قصيرة لكن بعقد شرعي عشان ميعملش حاجة تغضب ربنا ثم يطلقها"، وتؤكد طبيبة الأمراض النفسية أن هذا يجعلها تخرج من الزيجة بمشكلتين بدلًا من مشكلة واحدة، "إذا حظها عثر وكانت حامل أو أصبحت أم في سن صغيرة وليس لديها أي وسيلة دعم مادي، فهذا يدخلها أيضًا في (خلل في التأقلم) وكلما كان سنها صغير يكون الضغط مضاعف، في المقابل يدخل بعضهن في دائرة من الزواج المتكرر والطلاق وهناك سماسرة لهذا النوع من الزواج".
الأزهر يطالب الرجال السوريين "بصكوك إشهار الإسلام "
وأضافت: "الحالة الثانية هي حياتها كما لو أنها بائعة هوى لكن بشكل شرعي، وبهذ، انتفى الهدف من الزواج وهو البحث عن الاستقرار لأنها أصبحت تنتقل من رجل لآخر، وهذا قد يؤدي إلى أشكال مختلفة من رد الفعل قد يختلف من شخص لآخر بين التوتر أو عدم الإحساس بأي شيء للتغلب على الضغط الذي تعيشه، أو أن ينقلب لأعراض اكتئاب، وهذا يعتمد على شخصية الشخص ولا يمكن التكهن بما سيؤدي إليه الضغط عليه، وبين ما يمكن حدوثه هو الانتحار". زواج السوريات من مصريين شرعيًا لا يمر بأي إجراءات غير الإجراءات القانونية لزواج الأجانب، إلا أن العكس وهو زواج رجل سوري من امرأة مصرية أو حتى سورية لابد أن يمر بمشيخة الأزهر ، نظرًا لعدم ذكر الديانة في أي وثيقة رسمية سورية، والذي وصفه البعض على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة إشهار الإسلام مجددًا. الدكتور محمد جميعة، المسؤول عن مكتب إشهار الإسلام في الأزهر الشريف، نفى أن يكون على السوري إشهار إسلامه مجددًا، موضحاً "هو ليس إشهارًا للإسلام هذا اسمه إثبات تأكيد إسلام، فجواز السفر غير مثبت فيه مسلم أو مسيحي، هو يذهب لمكتب الشهر العقاري المختص بزواج الأجانب بوزارة العدل وليس معه ما يثبت أنه مسلم، فيطلب منه فقط ما يثبت من الأزهر أنه مسلم، ونحن نعطيه شهادة (تأكيد إسلام)". وأكد جميعة أن هذه الشهادة مجرد "ورقة روتينية لا أكثر ولا أقل"، موضحًا أن سببها هو عدم جواز زواج غير المسلم من مسلمة.