سماء فيصل (30 عاماً)، كانت تعمل موظفة في قسم الحسابات بإحدى الشركات الخاصة في العاصمة اليمنية صنعاء، فقدت عملها بعد إغلاق الشركة مطلع عام 2015 بسبب الحرب. لدى فيصل، التي تحمل شهادة جامعية في المحاسبة، طفلتان، ويعمل زوجها في أحد المصارف التجارية، وبدلاً من تسريحه اكتفى المصرف بمنحه نصف راتب بنصف دوام.
وتقول إن ما تبقى من راتب زوجها لا يكفي لتغطية قيمة إيجار الشقة التي يسكنون فيها ووضعهم سيئ وأنها طرقت كل الأبواب وقدمت طلبات في عشرات الشركات والمنظمات بدون فائدة.
تلخص هذه القصة، وضع النساء اليمنيات المؤهلات لسوق العمل، اللاتي فقدن أعمالهن بسبب الحرب، وتزيد المعاناة لدى النساء غير المتعلمات، وهن أغلبية، حسب محللي اقتصاد وناشطات يمنيات.
وأدت الحرب المستمرة في اليمن منذ شهر مارس/ آذار 2015، إلى إغلاق مئات الشركات والمؤسسات والمصانع أبوابها وتسريح موظفيها، وهذا ألقى بآلاف من العمالة المؤهلة إلى رصيف البطالة، وأدى إلى تدهور القوة الشرائية، خاصة للأسر الفقيرة والمتضررة من النزاع.
وكانت النساء الأكثر تضرراً من الحرب، حيث تقلّص عددهن في السوق المركزي وسط مدينة تعز (وسط)، وتأثرت العاملات في صناعة وتجارة البخور بمدينة عدن (جنوب) بالحرب، والعاصمة صنعاء لم تكن أحسن حالاً بالنسبة لعمل المرأة.
اقــرأ أيضاً
وتعد المساهمة الاقتصادية للمرأة اليمنية ضعيفة للغاية وتقل عن معدل المساهمة الاقتصادية للرجل بنحو 74.1%، حسب دراسات اقتصادية رسمية.
وبلغت نسبة دخول المرأة اليمنية إلى سوق العمل الحكومي نحو 8% سنوياً من إجمالي قوة العمل بين الأعوام 2004 و2010، وبلغ معدل دخول النساء خلال هذه الفترة نحو 10 آلاف امرأة سنوياً، ويتركز أكثرهن في قطاع التعليم، حسب دراسات غير رسمية.
ويقول المحللون إن ضعف مساهمة المرأة اليمنية في سوق العمل يرجع إلى عدم قدرتها على تخطي الصعاب في ظل الحرب وزواج الإناث المبكّر، وتراجع مستوى التعليم.
وأوضحت وزيرة حقوق الإنسان السابقة، حورية مشهور، أن اليمن من الدول ذات التنمية الإنسانية المنخفضة، وكان وضع النساء في هذا الإطار التنموي المتردي أكثر سوءا بسبب انتشار الأمية بين النساء وضعف معدلات الالحاق بالتعليم.
وقالت مشهور: "ازداد وضع النساء سوءا خلال الفترة الأخيرة بسبب العنف والصراع والحرب الدائرة في البلاد وانهيار الدولة، وأصبح الوضع الإنساني لكل الناس كارثيا بكل المقاييس، وفي هذا الوضع المتردي ومن خلال التقارير الوطنية والدولية والشواهد الحية والواقعية، فإن الأطفال والنساء هم الضحايا الأبرز لهذه الحرب".
وأوضحت مشهور التي شغلت لسنوات عديدة منصب رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة، أن ما تحتاجه المرأة اليمنية لناحية التمكين الاقتصادي يتمثل أولا في توقف الحرب وأن تمضي البلد في طريق السلام والأمن وتبدأ بعد ذلك بالبناء والإعمار والتنمية والاهتمام بالمرأة.
وجاءت اليمن في ذيل قائمة تمكين المرأة التي أصدرتها منظمة العمل الدولية، في شهر يناير/ كانون الثاني عام 2015، حيث بلغت نسبة شغل النساء لمنصب مدير في اليمن 2%، واحتلت اليمن المرتبة 145 كأسوأ دولة لمعيشة المرأة في التقرير السنوي.
وحسب دراسات رسمية، تعيق العادات والتقاليد في المجتمع اليمني المحافظ خروج المرأة للعمل، حيث تعتبر الثقافة القبلية أنه من المعيب اتجاه المرأة للعمل، ويسمح لآلاف الفتيات بالتعليم إلى مستويات معينة، وآلاف أخريات يكملن التعليم الجامعي لكن لا يسمح لهن بالعمل.
وتكرس التقاليد اليمنية أن الرجل هو الذي يعمل وينفق على الأسرة، ولا تعتبر المرأة مصدراً للدخل، وغالبا ما تتفرغ لشؤون المنزل وتربية الأطفال، حسب الدراسات.
وتؤكد تقارير اقتصادية رسمية سابقة، أن اليمن يخسر حوالي 40% من الدخل القومي بسبب غياب المرأة الواضح عن سوق العمل.
وتوضح الناشطة اليمنية في شؤون المرأة غادة العبسي، لـ"العربي الجديد"، أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية التي وصلت إليها البلاد بسبب الحرب أغلقت كل الأبواب التي كانت مفتوحة للعمل في وجه الرجال والنساء على حد سواء.
وقالت العبسي: "إن البطالة وتوقف الأعمال دفعت غالبية الرجال إلى الالتحاق بالقتال في الحرب الدائرة مقابل الحصول على مبالغ مالية زهيدة، فيما النساء المؤهلات اللاتي فقدن أعمالهن مكثن في البيوت مقيدات بالعادات والتقاليد أو يعتمدن على مساعدات الأهل والجيران".
وأوضحت أن النساء الأكثر فقراً لجأن إلى عالم التسول وافترشن الشوارع أو طرقن الأبواب للحصول على الخبز والمال.
وأشارت العبسي إلى أن المرأة اليمنية كانت تعاني من صعوبة الوصول للفرص الاقتصادية في الفترات السابقة، وتفاقمت معاناتها في ظل الحرب، فيما أغلبية النساء من الطبقة المتوسطة أصبحن نازحات وفقيرات ويعتمدن على مساعدات المؤسسات.
وتعرضت سيدات الأعمال اليمنيات لانتكاسة أوصلتهن إلى الإفلاس، فيما سيدات كثيرات تركن ممارسة العمل التجاري نتيجة الخسائر وارتفاع تكاليف الإنتاج، إضافة إلى العجز عن دفع أقساط القروض للبرامج والصناديق الحكومية، حسب مجلس سيدات الأعمال اليمنيات.
وإلى ما قبل عام 2007 كان العمل التجاري والاستثماري محصورا بالرجل، قبل تأسيس أول تجربة لسيدات الأعمال بدعم من مؤسسات دولية.
وبلغ عدد سيدات الأعمال اليمنيات حتى نهاية عام 2014 حوالي 500 سيدة من إجمالي النساء البالغ عددهن زهاء 10 ملايين نسمة، وفقاً لمجلس سيدات الأعمال.
وأوضحت مسؤولة برنامج تمكين الشباب اقتصاديا في مكتب الأمم المتحدة باليمن، فرح عبدالصمد، أن الحرب تسببت بأضرار أكبر على سيدات الأعمال اليمنيات.
وقالت عبد الصمد: "في مجتمع يهيمن فيه الذكور، فقد كانت نسبة النساء قبل الصراع في اليمن أقل من ثلث القوة العاملة. وقد أثرت الأزمة المستمرة بشدة على سيدات الأعمال بالمقارنة مع نظرائهن من الرجال، حيث تم إغلاق ما يقرب من نصف الشركات المملوكة للنساء منذ مارس/ آذار الماضي".
وبدأت منظمات دولية ومؤسسات محلية برامج لتمكين المرأة اليمنية اقتصاديا في ظل الحرب من خلال تقديم مبالغ مالية لمساعدتهن على بدء مشاريعهن الخاصة.
وأطلق البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وحكومة اليابان، في شهر أغسطس/ آب 2015، برنامج التمكين الاقتصادي للمرأة، وبدأ تطبيق البرنامج في محافظتي تعز وإب (وسط)، اللتين تعانيان من ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل.
العربي الجديد