تقول لي إحدى الزميلات، وهي تجرجر رجليها بثقل في اتجاه سيارتها- وطفلان لها أحدهما لا يتعدى سنواته الثلاث، والأخرى السنتين أمامها يتبعثران في مشيتهما في كل اتجاه- بينما الساعة تكاد تقترب من الخامسة عصرا.." قالوا عن المرأة إنها كانت مستعبدة في الجاهلية وحالنا ماذا يقولون فيه"..؟!
حوار سريع شبه يومي يدور بيننا - نحن المدرّسات - حين الانصراف، أو في فترات الراحة المقتنصة كرهًا بين ساعات العمل.. حين كل منا تسارع في الصعود إلى سيارتها.. حين ننهض إلى العمل في السادسة صباحا، ونلهث متراكضات وراء أشغالنا، وتعرف كل منا أن ما ينتظرها في البيت من أمور لا يصلح إلا بالأنثى الأم، والزوجة بما لا يقل في معاناته عن العمل خارجه..
لو كنا منصفين، وأحصينا ساعات العمل التي تنجزها المرأة داخل، وخارج البيت هل تراها ستوازي عمل الرجل خارجه، أم أنها تتفوق عليها، وهل هي من القيمة كي تتخلى بطواعية أو مكرهة عن كثير مما تحلم به الأنثى عادة من الراحة والتنعم؟ أهي الدعوات القديمة التي رأت المرأة مستعبدة فدعتها إلى أن تهبّ لحريتها، ولموازاة الرجل، بل ومزاحمته في كل مناصب، ومجاري الحياة ؟أم أن التسارع في الحياة الذي انعكس سلبا على الاقتصاد، وعلى القيم التي تغيرت كثيرا في هذا الزمان حتى بات بعض الرجال كسولين، وبات بعضهم لا يخجل من الاعتماد على عمل المرأة، ولا من مدّ رجليه في البيت مطالبا إياها بواجباته الزوجية تحت لافتة عريضة عنوانها "رب الأسرة"؟..
في رأيي أولا، وأخيرا مردّ كل ذلك إلى السياسة التي لعبت بأمان الناس اجتماعيا ومعيشيا، وأخلاقيا حتى حرّمت عليهم لذيذ المنام مما دفع بالمرأة إلى الخروج في أغلب الأحيان إلى سوق العمل، لا رغبة فيه، بل لمساندة الزوج، أو الأسرة التي قد تضطر أحيانا إلى إعالتها وحيدة ،أو حفاظا على أبنائها، وكرامتها من سطوة الأخ ،أو الأب، أو شقيق الزوج في كثير من الأحيان.. تحضرني هنا حادثتان إحداهما لسيدة كانت تأتي لتساعدني في أعمال المنزل، وقد كانت تفضي لي بأحمالها عرفت منها أنها تعيل بهذا العمل أيتامها الخمسة بينما شقيق زوجها ينعتها بأقبح الصفات، ويتهمها بأنها إنما تخرج من منزلها كي ترتكب الفواحش! وبالطبع فإن عينه السليمة تتجاهل رؤية أبناء أخيه، وبينهم العاجزة الصبية.. كما تحضرني زميلة في موقف مناقض يضطرها عملها إلى البقاء في المدرسة حتى ساعة متأخرة مما جعل زوجها لا يجد إلا الطلاق حلا!..
عندما تجتمع العاملات خارج بيوتهن تكثر بينهن مثل هذه الأفكار، وتصبح عرضة للنقاش، وفي كل الأحيان يكون الحنين إلى أيام زمان، وإلى ظل الرجل السيد في البيت.. الرجل الحقيقي الذي يعي تماما مسؤولياته، ويعرف حقوق الأنثى، ويعلم أنه إنما يريحها لتريحه، وأن من بيته تبدأ السلسلة الأولى للحياة فمتى كانت الأم هادئة رعت أبناء هادئين، ووفرت لزوجها الراحة ليعمل، ويصبر ويعطي.. أرجو ألا يفهم مني أني ضدّ العمل للمرأة خارجا، وأنني لا أعرف أن هناك أعمالا مريحة للمرأة، وأن المرأة نصف المجتمع، وأنها إن لم تشارك خارجا صارت مجهّلة، وصار المجتمع في نصفه مشلولا، وغيرها من الشعارات التي تجهر بها الكتب، ويحمل لواءها دعاة الفكر، والتحرر، والتمرد، لكنني أتمنى أن يفهم من كلامي، ومن كل حرف فيه أني ضد عمل المرأة خارجا.. ضده ؟ نعم.. ضده، وإلى أقصى الحدود، وإن غالطتني إحداكن، فما عليها إلا بمرآتها، ولتقف أمامها- وإن كنت أشك بأنها لا تطالع صفحة وجهها إلا عابرا بالمرآة- ولتسألها: اصدقيني القول يا مرآتي السحرية .. هل أنا هي التي سأكونها لو كنت المرفهة المنعمة، وكنت المسيّدة في منزلي؟!