أليس من المدهش أنه برغم زوال دولة الإخوان التى كرست لكل المفاهيم المتخلفة عن المرأة، أننا ما زلنا نعانى من الحالة المتدنية لصورة المرأة فى الدراما المصرية على الشاشتين، التى تحتوى على موضوعات فاحشة تسعى لازدراء المرأة وكراهيتها وحصرها فى مجرد كونها كائناً حيوانياً غريزياً لا يستدعى سوى الشهوة ولا يفصح إلا عن المجون والخطيئ؟.
الحقيقة أن انصراف الإخوان من المشهد لا يعنى اختفاء أفكارهم التى صدرها دعاتهم واستقرت.. وعششت فى عقول الناس وشكلت ردة حضارية واضحة.. أتصور أنها سوف تستمر طويلاً فى ظل غياب ثورة ثقافية حقيقية تقتلع جذور التخلف وتسعى لبناء دولة عصرية جديدة.. لا ينفث فيها فقهاء التحريم والمصادرة سموم فتاواهم الكريهة، ولا تنشر فيها تلك الكتب الصفراء التى ما زالت تحتشد بها المكتبات والأرصفة ويقبل عليها العامة.. وتتراجع فيها قيم ومفاهيم الحضارة الحديثة فى عدو محموم ومخيف للوراء لحساب أصولية ذميمة.
هذه الكتب تحمل عناوين مثل «لمَ النساء من أهل النار» و«نساء أهل النار» وهى كتب كما هو واضح من عناوينها ومن محتواها، أنها تحتقر المرأة وتحط من شأنها وتحاول أن تدوس على مكتسباتها لتحصرها فى مجرد أنثى محرضة على الفجور.
والحقيقة أن ذلك المفهوم المتخلف والغبى لماهية المرأة باعتبارها كائناً غير أخلاقى ومصدراً للغواية ومنبعاً للرذيلة.. هو ما تبقى فى أذهان الشباب الذين يسعون إلى التحرش بها.. والمفارقة المؤلمة أن التحرش -فى ظل حكم الإخوان الغابر- لم يقتصر على الشباب بل امتد ليشمل فضليات «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» فى عربات السيدات بالمترو لاجتثاث شعر الفاجرات السافرات.. ولعل أيضاً نموذج المعلمة المنتقبة التى قصت شعر التلميذتين فى الفصل دليل على ذلك.. بل إن مستشارة الرئيس الإخوانى السابق «مرسى» لشئون المرأة والمسئولة عن ملفها تجمل قبح المجزرة الإنسانية «الختان» وتسميها عملية تجميلية.. وتتحرك فى دائرة ثقافة التحريم والتجريم فتلك البشاعة والبربرية التى تتمثل فى بتر «البظر»، وتستكمل تجميل قبح الفعل الإجرامى فتهون من بشاعته بوصفه عادة متأصلة ولا يعيب تنفيذه إلا أنه يتم عادة قبل سن البلوغ، لكنه فى النهاية وقاية لشرف المؤمنة وحفظاً لعرضها وعفافها.. وليس عدواناً على الجسم البشرى وتحرشاً ضد المرأة باسم الدين.. وجوراً على حقوقها فى المتعة الجنسية المشروعة.. المهم أن يستمتع الرجل.. ولا شأن للمرأة بذلك على الإطلاق فهى ليست سوى آلة للإنجاب.
ولكن المفارقة الكبرى والمذهلة حقاً ذلك التصريح الكارثى لطبيب أستاذ هو «أحمد الطحاوى» عضو لجنة الصحة بالبرلمان يقذف به فى وجوهنا عن وجوب «ختان البنات» لتخفيف الإثارة الجنسية والتلوث ليعود بنا إلى عصور الجاهلية، ويؤكد أن برلمان (2016) لا يختلف عن برلمان (2012) فى نظرته إلى المرأة رغم اختلاف الأنظمة والأيديولوجيات السياسية بعد ثورتين.. وكأنك يا أبوزيد ما غزيت.. أو كما يقول المثل الشعبى: «يادى الخيبة.. يادى الحطة.. رحنا على جمل ورجعنا على بطة»..
والحقيقة أنه فيما يتصل بالفنون المرئية.. خاصة السينما فإنه من الإجحاف - فى رأيى - أن نحصر رؤيتها المتخلفة للمرأة فقط فى ظل تنامى التيارات الوهابية.. والاجتياح الأصولى للمجتمع فقط.. ذلك أن السينما المصرية منذ بدايتها وهى لا تقدم فى السواد الأعظم فى أفلامها المختلفة لشخصيات المرأة إلا باعتبارها راقصة لعوباً تنصب شباكها لاصطياد ثرى أحمق تستولى على أمواله.. أو عاهرة تغرى بمفاتنها شاباً فتضيع مستقبله الواعد.. أو تتسبب فى دخوله السجن.. أو خادمة فاجرة تسرق زوج مخدومتها وتشرد أطفاله.. وهكذا.. فى تضاؤل واضح جداً لنماذج من شخصيات نسائية فاضلة.. وبراقة وفاعلة وإيجابية.. تدعو إلى التبجيل والتقدير والاحترام، لكن فى عصور التراجع الحضارى وتفشى التيارات المتشددة تسيطر تلك النماذج الرديئة وتتطرف فى انحطاط متناهٍ.. يساندها جمهور من شباب عشوائى شتام بذىء يلوك لغة وضيعة ويتداولها فى جهل منتشر ووقاحة مستشرية.
يتضح ذلك جلياً حينما ترصد نماذج المرأة فى الدراما الرمضانية التليفزيونية لهذا العام، فهى تقدم على الزواج السرى دونما تردد فى مسلسل «كلمة سر».. وفى مسلسل «ونوس» تحب فتاة صغيرة «نهى عابدين» شقيق خطيبها وتعترف بذلك لأمه (وهى فى نفس الوقت خالتها) دونما خجل.. وفى مسلسل «يوميات امرأة مفروسة» تختطف المطلقة أى زوج من زوجته.. وتتنوع أساليبها فى إغواء الرجال.. والنموذج الناجح من المرأة على مستوى العمل فاشل على المستوى الشخصى.. فنجاح الزوجة فى العمل يؤثر سلبياً على مدى اهتمامها بأولادها وزوجها.. وفى مسلسل «هى ودافنشى» لا تتورع المرأة أن تلجأ إلى الطرق الشرعية أو غير الشرعية لعلاج مشاكلها الاجتماعية وأزماتها مع الرجال.
أما مسلسل «فوق مستوى الشبهات» فإن «يسرا» بطلة العمل التى تعمل طبيبة نفسية، تقتل فى بداية الأحداث الطبيب النفسى الذى تعالج عنده، بينما الشخصية التى تجسدها الممثلة «نجلاء بدر» فهى تخون زوجها مع عشيق لها وتذهب إليه فى بيته لتعرض عليه الزواج على أساس أن يساعدها فى إجراءات الطلاق من زوجها.. لكن العشيق يرفض الزواج منها ويطردها من بيته..
أما فى مسلسل «ليالى الحلمية» فإن العمل يركز على مساوئ وسلبيات عمل المرأة..
وفى هذا الإطار أجرت لجنة رصد دراما رمضان بالمجلس القومى للمرأة حصراً شاملاً لأبرز المسلسلات وتحليل مضمونها، وكشف التقرير الخاص بهذا الحصر أن العديد من المسلسلات ركزت فى حلقاتها على مظاهر العنف ضد المرأة مادياً.. ومعنوياً.. وتكرر ذلك فى (132) حلقة من إجمالى حلقات المسلسلات التى تم تحليلها.. كما أن هذه المسلسلات قد حفلت بالألفاظ غير اللائقة والخارجة عن المألوف وكثرة السباب بالأم، فى إهانة مباشرة وواضحة للمرأة..
على أننا فى النهاية لا يمكننا أن نغفل تلك الازدواجية التى نعانى منها حينما نصر على الدعوة إلى منع ومطاردة ومصادرة وتحريم وتجريم وإقصاء الصور المرئية الهابطة، ولا أقول الفن الردىء، خوفاً على الفضيلة التى تبكى وتنتحب من جراء اعتلاء شياطين البذاءة وأعداء المرأة.. وحرصاً على قيم مجتمع هو -ويا للغرابة- ينتشر به زنى المحارم.. وزواج القاصرات.. نكاح الجهاد.. وشبكات الدعارة.. وبيع الرقيق..
إن فرض الوصاية باسم الأخلاق -فى النهاية- ما هو إلا الوجه الآخر لسلوك جماعات السلفيين «والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» ناهيك عن الإطاحة بماهية ومعنى وجوهر الفن الحقيقى الذى لا ينبغى خلط خطابه «الجمالى» والفكرى بالخطاب الأخلاقى، فهذا من شأنه تسطيح الفن.. وإقحام الأخلاق فى غير مجالها الوعظى والتربوى والإرشادى.