وسقط خالد العيسى شهيدا كما تسقط وردة تعشق تربتها، كما تسقط كلمة صادقة تحاصر بالرصاص، كما تسقط روح خيّرت، فاختارت أن تكون نسرا..
ليس خالد العيسى أول الشهداء السوريين الذين يتساقطون، ولن يكون آخرهم في زمن عنونه الجبابرة زمنا للطغيان، وموت الحق، وسبي أجنحة الطيور، لكن، لوجه خالد العيسى حكاية، ولعينيه السوريتين ألق حمل كفرنبل مدينته الزيتونية فيهما، أينما سار في رحلة عمل كان الإعلام مدادها لإظهار الحق الذي يتضافر السجانون في جعله أسير الظلام والظلمات، مدينة لم تنبت إلا الطيب يوما، الطيب في اخضرار اللون، وفي صفاء أهلها، ورفضهم الاستبداد والظلم، وتأبى الحرب أن تجعلهم يستمتعون بحرية حصدوها بدت كغلالة حين ترتديها مدينة النبلاء " كفر نبل" يتكاثر عليها القتلة، والمجرمون ليعيثوا فيها تمزيقا، وإفسادا، وليحرموها نشوة الفرح بالتحرير.
في كل يوم يتساقط الشهداء فيه في سورية يتنافسون في تعطير أرضها بعبقهم، منهم من نتعرف إليه لأن له عمله الخاص الذي يتابعه السوريون الأحرار أنى كانوا، ومنهم من يموتون بصمت تحت سطوح البيوت، أو مستندين إلى أكتاف الجدران التي حمّلوها هناءتهم الطفولية يوما، وسكائب أحلامهم شبانا، وانكساراتهم شيبا..
مهنة الإعلام التي حملها الشهيد عيسى على عاتقه أن يكون صوتا ينقل من قلب الحدث للناس ما يحدث في أرض سورية الكليمة ليست عملا ممهّدة طرقاته للخائضين فيه، عمل يصفعه الموت في كل لحظة مثلما يصفع من يواجهونه ببنادقهم، وبسائر الأسلحة..
للشهادة في سورية ألف شكل، لكأنها دالية من دوالي العنب التي تتوهج في كرومها صيفا، ولكأن كل شهيد عنقود عنب عليه أن يعاصر الحصرم حتى يتحول إلى رحيق رباني..
لكن أن تمتنع العقول المتعفنة من الصلاة على روح الشهيد في مساجد الله، فهنا قمة الألم. الأرض التي نبت منها العيسى لن ترفضه يوما، ولذا فهي لا تحتاج لصلاة من فم يتعثر وهو يذكر الله، الله الذي أوصى أن الشهيد يكفّن بدمه الذي يفوح زكاء يوم الحساب..
ولعلّ قلوبنا تترطب بعض الشيء حين نستذكر ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام عن الصحابي "خبيب بن عدي" رضي الله عنه حين قتله المشركون بعد أسره طيلة الأشهر الحرم، وقد أرسل من يأتي بجثته، فلم يجدها رغم أنها سقطت أمام عينيه منذ قليل عن الشجرة قائلا:
" لاعليك لاعليك فقد دفنته الملائكة".