في شقة متواضعة لا تتعدى مساحتها 60 متراً، تحتضن بين زواياها تصاميم وأزياء تضاهي صيحات الموضة العالمية، يتوسطها طاولة كبيرة وقطعة قماش كبيرة، تقوم مصممة الأزياء نرمين الدمياطي بتمرير مقصها عليها بانسيابية عالية لتعلن البدء في إنتاج تصميم جديد.
بجانب نرمين غرفة صغيرة لمساعديها الذين يعملون على ماكينات الخياطة لوضع اللمسات النهائية على تصميم آخر، قبل عرضه مع مجموعة التصميمات السابقة، والتي تلفت نظر كل الزبائن الموجودين داخل بيت الأزياء.
بيت الأزياء المتواضع Voile Moda كما أطلقت عليه الدمياطي - يعني موضة الحجاب باللغة الفرنسية - ، يعتبر الأول فى قطاع غزة، كرست فيه كل جهدها لإرضاء جميع الأذواق من خلال مجموعة كبيرة من التصميمات، تطمح أن تراه يوماً بيت أزياء كبير يختص بكل تفاصيل الأزياء ينافس الشركات العالمية.
بداية الحلم
الدمياطي قالت إن بداية شغفها وتعلقها بعالم الأزياء والموضة بدأ معها منذ الطفولة حين كانت تقص ملابس الدمى، وتضيف لمساتها الخاصة على ملابسها التي تبتاعها من المتاجر لتصبح مميزة بشكل يلفت الانتباه، حسب تعبيرها.
الشابة الحاصلة درجة البكالوريوس في "التاريخ والآثار" في العام 2011، وعملت في ذات المجال مدة عام، ذكرت أنها وبعد تفكير طويل، قررت ترك عملها والتوجه للعمل فى مجال التصميم، الذي أحبته منذ الطفولة، رغم رفض عائلتها، وعدم تقبلهم فكرة ترك عملها في مجال دراستها والتوجه إلى العمل كخياطة على حد وصفهم.
ولفتت إلى أنهم لم يساعدوها في بداية الأمر في افتتاح مشروعها الخاص، ما اضطرها للاستعانة بصديقتها ومشاركتها والعمل معاً لإنشاء معرض للملابس والتصميمات الخاصة بها، موضحةً أن مصطلح "مصممة أزياء" جديد على المجتمع الفلسطيني، لوجود انطباع سلبي لدى الغزيين عن مصممي الأزياء، من خلال العروض التي كانوا يشاهدونها على التلفاز.
استطاعت الدمياطي بعد ذلك جمع بعض النقود من معرضها الأول لتبدء بتحقيق حلمها وتفتتح مشغل الأزياء Voile Moda عبر استئجار شقة صغيرة، خصصت جزءاً منها لتصميم منتجاتها والجزء الآخر لعرض التصاميم، مشيرة إلى أن المشروع في بدايته شهد إقبالاً ضعيفاً، لكن مع مرور الوقت أصبحت تصميماتها تلقى رواجاً بين الفتيات الجامعيات، ثم أصبحت بعض المحال التجارية تطلب بعض التصاميم الخاصة، حتى أصبح المعرض يشهد اقبالاً بشكل كبير.
وترى مصممة الأزياء الفلسطينية، أنها تختلف عن محلات الخياطة التقليدية، فهي تعتمد في تصميماتها على ما يتناسب مع الزبون وعمره ولون بشرته، بالإضافة لمواكبة كل جديد من أعمال المصممين العالميين، بينما الخياطون ينفذون ما يطلب منهم فقط دون إبداء رأيهم.
طموح العالمية
كما أوضحت الدمياطي أنها تحلم بالمشاركة في عروض أزياء عربية وعالمية، خصوصاً بعد تلقيها لعدد من الرسائل على فيسبوك من زبائن من دول عربية وأجنبية؛ لشراء بعض التصاميم الخاصة التي تعرضها نرمين عبر حسابها، لكن الحصار الإسرائيلي والإغلاق المتواصل لمعبر رفح البري لم يمكنها من إرسال الملابس المطلوبة.
وذكرت أنها خرجت بتصاميمها عن الشكل التقليدي وعن اللون الأسود للعباءة، وأن أغلب منتجاتها اتسمت بألوان عصرية ومقبولة اجتماعياً، حيث جعلت الموضة التركية الملتزمة ملهمة لتصاميمها عبر موديلات حديثة بمختلف الأشكال؛ لتناسب جميع الأذواق وتواكب الموضة العالمية.
كما أدخلت على الثوب الفلسطيني بعض التعديلات لتخرج بشكل جديد يمزج بين الحداثة والتراث، فضلاً عن أن الطبيعة تلعب دوراً مهماً في تصاميمها، حيث تستوحي بعض ألوان تصاميمها من الورود، لافتةً إلى أن الزبائن يرفضون فكرة دمج اللون الأخضر مع الأصفر، مع أن اندماج هذه الألوان في الأزهار يعطيها جمالاً خلاباً.
وتسعى الدمياطي لاكتساب بعض الخبرات وتطوير ذاتها، من خلال المشاركة فى دورات تصميم في دول عربية عن طريق الانترنت، كما تتابع ما تقدمه دور الأزياء العالمية، وبعض المصممين العالميين للاستفادة من خبراتهم وتصاميمهم.
وأشارت إلى أن بعض الكليات الفلسطينية في قطاع غزة بدأت باستحداث وتدريس دورات في مجال الموضة والتصميم، مشيرة إلى أن عشرات الفتيات كن يأتين إليها للعمل والتدريب لفترات محددة من ثمن يتوجهن إلى افتتاح مشاغلهن الخاصة بتصميم الأزياء.
فتيات غزة
رغم ما واجهته مصممة الأزياء الشابة من معوقات في بداية مشروعها، إلا أنها أوضحت أنها حصلت على القبول الاجتماعي، وذلك من خلال انتشار تصاميمها في العديد من المحال التجارية، والإقبال الكبير الذي يشهده معرضها بشكل يومي لطلب تصاميم جديدة.
شعور النجاح الذي تحصل عليه مصممة الأزياء الشابة كلما وجدت فتيات يقبلن على معرضها ويطلبن تصاميمها، دفع العديد من الفتيات للحذو حذوها لتحقيق أحلامهن وافتتاح معارضهن الخاصة لتصميم الأزياء.
وكان من بين هؤلاء الطالبة إسراء أبو شرار، التي قالت إنها أعجبت بتجربة نرمين، وعكفت على دراسة المجال في كلية غزة للفنون، كما حرصت على متابعة تجربة الدمياطي وتصاميمها، وحاولت فى بداية الأمر تقليدها والعمل على إضافة لمسة جديدة عليها، إلى أن تمكنت من العمل على تصميم أزياء جديدة خاصة بها، وافتتاح معرض صغير داخل منزلها، والذي تحلم أن يصبح في وقت قريب مشروعاً كبيراً يمكِّنها من ترك بصمة في مجال تصميم الأزياء اقتداءً بنرمين.
هافينغتون بوست