المحاماة فن رفيع كما عَنْوَن لها المحامي البارع المستشار محمد شوكت التوني رحمه الله. فهي رسالة سامية، وحرفة المحترف، وفن الإقناع والإمتاع، والمحامون هم النخبة في كل مكان وزمان، فهم أساتذة الكلمة، وصنَّاع العبارات الجميلة المنسجمة، وهم من يُحكِمون الصياغة ويحسنون سبكها، والنظرة لهم في كل المجتمعات نظرة إكبار وتقدير واحترام وتبجيل.
والمحامي هو أكثر من يقدِّر ويحترم ويُنزِل الأماكن والأشخاص منازلهم، وهو أكثر من يراعي الأعراف والقواعد المجتمعية، فلا يستساغ ولا يقبل منه أن يقوم بأي خرق لعادة، أو إنتهاك لعرف، أو شذوذ عن قاعدة مجتمعية صحيحة في محيطه فضلاً عن المحكمة.
كل ما سبق ذكره استلزم معه أن يكون للمحامي سمت خاص وهيئة خاصة وظهور خاص .. خصوصاً في ساحة العدالة.
لقد سَعِد الحقوقيون بانضمام الزميلات المحاميات إلى ركب الناصرين للحق والمدافعين عن العدالة، ومن خلال تعاملي مع بعض المشتغلات في المحاماة وجدت أن غالبيتهن يملكن ثقافة حقوقية رصينة ويتفانين في البحث والقراءة والاطلاع عن كل ماله علاقة بالشريعة والقانون، وذات مرة قمت بعمل مقابلة شخصية لإحدى المتدربات فأبهرتني- ماشاء الله لا قوة إلا بالله- بإلمامها بالأنظمة ومعرفتها بأدق إجراءات التقاضي. وكما أن بعض المذكرات المصاغة من بعض المحاميات يعجز عن كتابتها العشرات من المحامين.
ولكن….كما أن هناك بعض من الملاحظات على بعض الإخوة المحامين فإن هناك بعض الملاحظات من حيث الشكل على بعض الأخوات المحاميات.
فليس من المقبول ارتداء العباءات ذات الألوان الصارخة المستفزة للمشاعر والمزعجة للنظر كما أنه ليس من المقبول أيضا أن أرى محامياً يتجول في المحكمة بثوب وردي مثلاً.
وليس من المعقول أن أكون بقاعة الانتظار مترقباً جلستي فاستمع لصوت قرع نعال- أجلكم الله- مميز ومنتظم وملفت أو ومزعج بالأصح يقترب شيئاً فشيئاً فإذا هي إحدى الزميلات المحاميات حاضرة للمرافعة في قضية ما. فهذة المشية ليست مقبولة في الأسواق فضلاً أن تُقبل في المحكمة وممن تُمثل القانون.
وليس من المستساغ أن تبالغ المحامية في مظهرها وزينتها ومكياجها وعطرها حتى يـخيل إليك انها حاضرة لعقد قران أحد أقاربها، كما أنه ليس من المستساغ أن يحضر المحامي إلى الجلسة وهو يرتدي بشت أو يعتمر – جنبية- فهذا التكلُّف وهذه المبالغة الممجوجة لا تستقيم مع طبيعة المهنة وشخصية المحامي.
لقد شاءت الظروف أن أحضر عشرات الجلسات في المحاكم الفرنسية فوجدت السمة الغالبة لدى المحاميات الفرنسيات الجدية والحزم ونبرة الصوت الواثقة ولا أريد أن أبالغ حين أقول أن جديتهن في بعض الأحيان تفوق المحامين. وكل هذا راجع إلى وعيهن بقيمة المهنة التي يمارسنها ولحرصهن على أن يكن متفوقات على المحامين الأكثر منهن عدداً والأقدم في الميدان والأوسع خبرة.
لم أكتب هذا المقال من باب فرض الوصاية على أحد أو قمع حرية أحد في ارتداء ما يحب أو الظهور كما يروق له أو للتدخل في الأمور الشخصية للآخرين، ولكن مقام المحاماة الرفيع وكعبها العالي هو من دفعني لكتابته.
ولقد علمتني المحاماة أن الشكل هو ما يحكم عليه قبل الموضوع وهو المدخل للموضوع.