الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

هوليوود وطريقة تعاملها مع جسد المرأة… وكيف استقبل الصينيون سور أمريكا العظيم!

  • 1/2
  • 2/2

ندى حطيط - " وكالة أخبار المرأة "

كان الفرنسي رولان بارت، رائد السيميائيات يقول إن المعنى الذي يطرحه العمل الثقافي – على إختلاف أشكاله من الأدب إلى الصحافة، ومن المصارعة إلى الإعلان، مروراً بالطبع بالأعمال السينمائية والتلفزيونية – ليس بريئأً أبداً.
هناك دلالات أعمق لأي منتج ثقافي تتجاوز المباشر، وهذه بالطبع مرتبطة بالمحتوى الإجتماعي والظرف التاريخي. ومنتجو العمل الثقافي هم بوعي – أو من دونه – على الأغلب كما يعتقد بارت – إنما يقومون بإدراج رموز ثقافية ضمن منتجهم، يقرأها المتلقي وفق ظروفه، لكن دائماً ضمن الإطار العام للنسق الأيديولوجي، الذي يمثله هؤلاء المنتجون.
هوليوود بالطبع، تقرأ بارت، وتفهم أكثر من غيرها عملية إنتاج «المعاني» والترميز الثقافي، وهي في تقديمها لأعقد المنتجات الثقافية من سينما وأعمال تلفزيونية، إنما تطرح بوعي شديد – كما أرى – أو من دون وعي غالباً، كما يرى بارت، الرؤية الغربية وبالذات الأمريكية للعالم.
بالطبع هذا ليس انتقادا لهوليوود. فكل منتجي الثقافة شرقاً وغرباً هم في النتيجة خدم إيديولوجيون شاءوا أم أبوا! لكن بعض الأعمال السينمائية والتلفزيونية الأحدث المقبلة من هناك لم تعد محملة بالدلالات فقط، بل صارت شديدة الصلف في تقديم الرموز الثقافية إلى درجة الفجاجة الإيديولوجية المحضة، على نحو لم يعد يزعج المتلقين عبر العالم فحسب، بل وأصبح مثار انتقاد المؤسسة الثقافية الغربية عموماً، وساحة للنقاد يصبون فيها غضبهم على موجة التسطيح هذه.
رجل أبيض على «السور العظيم»
بناؤه إستغرق 1700 عام، طوله 5500 ميل، وعمل فيه ملايين الأشخاص. هو خلاصة جهد الإمبراطورية الصينية عبر أجيال لإبقاء الغرباء خارجاً. ولأن سوق الصين الآن بالنسبة لهوليوود هي الأكبر في العالم بعد سوق الولايات المتحدة، فإن الإتجاه ماض في إنتاج أفلام تخاطب جمهور هذه السوق مباشرة. ماذا أفضل إذاً من السور كانطلاقة مبهرة، بكل رمزيته وثقله في العقل الصيني؟! جميل وحاذق رأسمالياً.
هكذا كلفت هوليوود المخرج الصيني المبدع زانغ ييمو بإنتاج فيلم حول تاريخ سلالة «سونغ» يتمحور حول «السور العظيم»، سمته بإسمه، ووفرت له الترسانة التكنولوجية الأمريكية في إنتاج الدراما، وميزانية عمل مبدئية تقدر بـ 135 مليون دولار، وهي الأكبر لأي فيلم (صيني) على الإطلاق. لكن بوستر الفيلم كان صادماً للجميع، وأثار غضب النقاد في أمريكا ذاتها قبل التحدث عن غضب المثقفين الصينيين. هوليوود – قليلة الحياء- اختارت وبفجاجة منقطعة النظير وجه الممثل الأمريكي المعروف مات ديمون ليكون بطل القصة ونجم «الأفيش». فيلم عن التاريخ الصيني، يتركز حول أهم رمز ثقافي صيني في عمل سيبصمه أهم مخرج صيني ويكون البطل نجم أكشن أمريكي أبيض؟!
طبعاً مات ديمون فنان مبدع وليس مثار الانتقاد شخصياً. لكن الرمز الثقافي الذي يحمله وجهه لبوستر الفيلم وللعمل عموماً يمثل أسوأ ما يمكن أن يقدم عليه منتج ثقافي غربي. متى ستفهم هوليوود أن العالم لم يعد يصدق أن إنقاذه لن يكون إلأ على يد الرجل الأبيض؟ فيلم «السور العظيم» خطوة هائلة في اتجاه دخول السوق الصينية، لكنها بالإتجاه الخطأ – تقول أهم مجلّة لليمين الأمريكي في نقدها للفيلم.
سيمبسون… ناخباً
منذ إطلاقه قبل عقود والبرنامج الأشهر للرسوم المتحركة للكبار (ذا سيمبسونز) يأتي محملاً بالرسائل السياسية. منتجو البرنامج لم يخفوا ذلك يوماً وهم عبروا خلال مواقف عديدة عن إنحيازهم للتيار الليبرالي داخل مؤسسة الحكم الأمريكية. في حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية الحالية لم يدّخر فريق العمل جهداً لإنتقاد دونالد ترامب. هم يسخرون من شعره، من يديه الصغيرتين، من لون بشرته، من زوجته الموديل السابقة، وببساطة من كل شيء. إلى حد الآن كان الأمر مقبولاً من كل الأطراف حتى في معسكر ترامب نفسه، الذي كان يرى طرح شخصيته ككاريكاتير يساعد بتكريس صورته التلفزيونية كرجل أكبر من الواقع الحقيقي. لكن جماعة سيمبسونز- فوكس ما غيرها – وفيما بدا أنه جزء من حملة منسقة تصوب هجوما ليبراليا عنيفا على ترامب في الصحافة والإعلام والأنشطة العامة، إلتقطت نقد هيلاري كلينتون لترامب بوصفه يُكثر من إستخدام «توتير» وحولته إلى كليب تلفزيوني دعائي شديد الصفاقة. فالسيدة سيمبسون الأم تمتنع عن القبل في مخدع الزوجية، لأنها بكل بساطة لا يمكنها أن تقبّل رجلاً، بينما لم تحدد بعد لمن ستصوّت في الإنتخابات المقبلة، والسيد سيمبسون ليحصل على مراده يقترح الطريقة الأمريكية، يفتح التلفزيون حيث يرن التلفون في البيت الأبيض في الثالثة صباحاً. إنها غرفة الطوارىء التي تتعامل مع الأزمات (على ما يبدو الصينيون قادمون لغزو الولايات المتحدة). من تريدون أن يجيب؟ بالطبع هيلاري الجبارة، التي تأخذ التلفون من بيل كلينتون وتزيحه جانباً ثم تحضر فوراً لإتخاذ القرارات، أم دونالد الذي لا يجيب على المكالمة أصلاً لأنه يعبث حتى وقت متأخر من الليل بحسابه على «تويتر»، وعندما يضطر للذهاب فإنه يصل بعد الحادية عشرة صباحاً لأن فريق المكياج الخاص به يحتاج وقتاً لتجهيزه، ويكون قراره في النهاية أن نبني سوراً عظيماً حول أمريكا. نعم في المحيط يا عبيط يقول لقائد الجيش…. ويحدثونك عن «البروبوغندا» والمنتجات المؤدلجة في كوريا الشمالية؟ هذا كان أفظع بمراحل!
الجوكر ليس شريراً: أنتم الشريرون
بعد عشرات السنين من إطلاق شخصية الرجل الوطواط (باتمان) في فضاء الكوميكس الأمريكي، ما زالت هذه الشخصية الغامضة قادرة على جذب أجيال متتابعة من المعجبين الأمريكيين وغيرهم. وقد فسّر ذلك الخلود للشخصية بأسباب عديدة أهمها عندي أنها على – مستوى ما – تعبّر عن تفكير الرجل الأمريكي الأبيض وشخصيته ومنهجيته في التعامل مع الآخر. في إحدى قصص باتمان (نكتة القتل) وهي قصة كوميكس مطبوعة صدرت قبل نحو 28 عاماً، وتعيد هوليوود تقديمها للشاشة في عمل درامي جديد، يحدث أن يلقي البطل الشرير (الجوكر) القبض على المرأة الوطواط ويعتدي عليها ويعريها من ثيابها ويأخذ لها صوراً سيرسلها لأبيها مفوض الشرطة. بالطبع كان ذلك عالما آخر في أمريكا الثمانينات حين كان مستوى معين من العنف ضد المرأة مقبولاً داخل أوساط المجتمع الأبيض. الفريق الذي أعاد تقديم القصة كعمل درامي على الشاشة أعاد تقديم حادثة الإعتداء وأعطاها أبعاداً تصويرية بصرية مضخمة لم ترد حتى في النسخة القديمة المطبوعة. وهكذا يتبادل الجوكر وباتمان العنف دون أن يتعرى أحدهما، بينما عندما تقحم المرأة في لعبة العنف تتعرّى وتستعرض كشيء. بالطبع أجواء المجتمع الأمريكي صارت أكثر حساسية – نسبياً على الأقل – في ما يتعلق بجسد المرأة، ولهذا فإن النقاد الذين شاهدوا النسخ الأولى من العمل الدرامي قالوا إنه رائع تقنياً لكنه على مستوى الدلالة الثقافية سقط أخلاقياً في ما يتعلق بمشهد الإعتداء البغيض. يبدو أن عقول هوليوود وطريقة تعاملها مع جسد المرأة لم تتغير منذ 28 عاماً. ليس الجوكر شريرا مهما أجرم. الشريرون هم أولئك الذين يروّجون للعنف وتشييء المرأة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى